موقع العلامة الدكتور محمد زين العابدين رستم  موقع العلامة الدكتور محمد زين العابدين رستم
مؤلفات و بحوث

مؤلفات و بحوث

مؤلفات و بحوث
جاري التحميل ...

الرحلة الرستمية آلى الديار البريطانية وذكر ما اتفق لنا من عجائب في كامبريج البهية

شارك الدكتور محمد زين العابدين رستم يومه  12\9\2024م مع دار المخطوطات في تركيا - في المؤتمر الدولي:" مخطوطات القرن السابع الهجري الطب والعلوم الرياضية والطبيعية " في جامعة كمبردج في بريطانيا ممثلا لمركز الدراسات والأبحاث في تحقيق المخطوط المغربي الأندلسي وجامعة السلطان مولاي سليمان بالمملكة المغربية ببحث عن:" المخطوطات العلمية والطبية في الخزائن المغربية في العصر الحديث " ويشارك معه رئيس فرع المركز بشمال افريقيا...نسأل الله الحفظ والصون في الحل والترحال..

وقد أبدع حفظه الله - كعادته- في وصف رحلته، فقال:





في الطائرة قبل الاقلاع بدقائق معدودة الى مطار الهيترو في لندن...مع زحام شديد في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء الأبية...وقد لاحظت قلة المغاربة المسافرين آلى لندن وكثرة الافارقة ممن لهم في تلك الديار إقامة


ألفيت مطار محمد الخامس بالدار البيضاء في هذا الوقت من السنة على غير ما كنت أجده عليه من سعة في الفراغ وامتداد في المكان لموضع ازدحام المسافرين فيه للرجوع آلى مواطن عملهم أو دراستهم في خارج المغرب بعد تصرم أيام الآجازة وانقضائها ومجيء وقت الجد والاجتهاد في خريف أهلت أوقاته وبدت رياحه وظهرت برودته وأزف زمهريره...فأدركني التعب من طول الصفوف وامتدادها وأصابتي الملل من كثرة الواقفين على أبواب المطار والمسافرين من بين مصراعيهما آلى أنحاء مختلفة من العالم...لكنني تصبرت ومضيت وتجدد فيّ نشاط الشباب لما استخرت...حتى وصلت وأدركت وقضيت اللبانة وأتممت إجراءات السفر وتمكنت من عبور الحدود والحواجز وجزت الموانع إلى الدرر اللاوامع من تلك الباصات التي كانت تتردد بين بوابات المطار والطائرة المغربية الجاثمة على الأرض...فصعدت الطائرة وقد ازدحم الناس على أبوابها وسرقت النظر الى بابها الأمامي فإذا هو يشقه كبير من الكبراء داخلا إليه وحيدا يتبختر وقد جاءت به سيارة مخصصة لكبار رجال الأعمال والسياسة ممن كان في مهمة أو مسافرا لاستجمام أو راحة...وبعد طول انتظار ولجت الطائرة وقد امتلأت كراسيها بالمسافرين وغصت جنباتها بالراحلين...وسألت أحد العاملين عن مكاني فأشار إلي أن هذا هو موضع جلوسك مسافرا إلى تلك الديار...فشكرته وجلست حامدا ربي على السلامة متخففا من بعض ملابسي التي كانت أزعجتني من كثرة الناس واشتداد الحرارة...وانتظرت إقلاع الطائرة في وقتها المحدد فلم يتيسر ذلك واشرأبت الأعناق وتساءلت الأفهام ماذا حصل ووقع...وهل سنبقى جلوسا منتظرين ..في زحمة وبُعد رحمةٍ وشدةِ حرارةٍ...فإذا الربان أو نائبه يقول بعربية فصيحة ستقلع الطائرة بعد مدة قصيرة ونعتذر إليكم عن هذا التأخير لأن الأجواء الأوروبية ملأى عامرة...وما هي إلا لحظات يسيرات حتى أقلعت الطائرة كما وعد الربان وتعهد...وفارقنا الأرض بعد طول مكوث وارتفعنا في ملكوت الله نطير ونخرق السماء...(وللحديث صلة وبقية).
ملاحظة هذه صورة اقامة الباحثين وطلبة العلم في جامعة كامبريج حيث تجري وقائع المؤتمر العلمي الذي دعيت إليه مشاركا على ما سيأتي بيانه..




كانت الطائرة غاصة بالمسافرين الذين جاؤوا من كل حدب وصوب من أنحاء المغرب واستوقفني وجود العنصر الافريقي فيها بصورة ملفتة للنظر...حتى ظننت أن الطائرة ستسافر الى أحد البلاد الافريقية ..بينما كانت السفرة آلى بريطانيا معهد الحضارة الأوروبية ..ولما سألت بعض المغاربة قيل لي إن أوربا عامة تتجه نحو مد العون الى دول افريقيا في تعاون بناء وفعال للاستفادة من كل الخبرات الدولية وكأنه نوع من رد الجميل الى تلك البلاد التي كانت كثيرة الخيرات شاسعة الفرص واعدة فاغتالتها في غفلة من الزمان يد المستعمر الغاشم وانتهكت حرمتها صولة المتكبر الغاصب.
كان الناس في الطائرة أخلاطا متنوعة وطبقات مختلفة بيد أن الذي راعني منهم:
- إفريقية طاعنة في السن بيد أنها رياضية يظهر ذلك من ثيابها ..وحسبتها لا رائحة للاسلام بها لأول وهلة لكن تبدد وهمي وصحوت من غفلتي إذ لمحتها وهي تنصت لآي الذكر الحكيم من هذه الصوتيات المرئية المتاحة على متن الطائرة ...كنت ألمحها وأكبر في نفسي: الله أكبر الله أكبر...

ملاحظة: الصورة المرفقة من تكريم د. عبد المجيد نصير الرياضي الشاعر الخبير في عدة مجامع عربية عن يمين الصورة على هامش مؤتمر كامبيردريج ببريطانيا الذي أشارك فيه في هذه اللحظات...
 










ومن عجائب مشاركتي في مؤتمر مخطوطات القرن السابع الطبية والعلمية انعقاد هذا المؤتمر في هذا المكان الجميل بين الطبيعة الخلابة والأشجار الباسقة والأنهار الجارية التابع لجامعة كامبريج بنواحي مدينة كامبريج في بريطانيا...على أن جلوس المؤتمرين كان في قاعة صغيرة لقلة المشاركين وهي التي تظهر في الصورة بأبوابها الزجاجية ...




وممن لقيته في مؤتمر كمبريج الأستاذ الدكتور عبد الحكيم الأنيس وهو كبير في العلم كثير التصنيف حافل في الطرح بهي الوجه عليه سيما العلماء وكنت أعرفه قبل سنوات لما كان رئيس تحرير مجلة الأحمدية التي كانت تصدر بدبي قديما وكنت قد نشرت فيها...وكان يراسلني ببعض الفوائد التي تتعلق ببعض كتبي مما لم أقف عليه..وهو من كبار من يدعى إلى الدروس الحسنية الرمضانية في المغرب الأقصى...







ومما زرناه في كامبريج مسجدها الجامع الكبير الذي بناه المسلمون في العالم فكانت الهبات والصلات والأوقاف تأتيه من أنحاء مختلفة من العالم الاسلامي وغيره...إلا أن الدولة كما أخبرنا الامام - التي ساهمت مساهمة كبيرة في بنائه هي الدولة التركية التي أرسلت لوحات خطية بآيات كريمة خطها أحد كبار خطاطيها المشاهير ..والمسجد الكبير متسع في أروقته قد رفعت سواريه وأعمدته على أركان خشبية عظيمة البناء جسيمة القوام جميلة غريبة عجيبة ..وقد صرفت في ذلك أموال وأنفقت فيه نفقات جليلة...ولقد استقبلنا الامام عند دخولنا الى المسجد وأدارنا حوله متحلقين شارحا تاريخ بناء المسجد والمساهمين فيه والمدرسة الملحقة به ...ثم أذن مؤذن صلاة المغرب فصلينا ثم دعانا الامام الى شرب الشاي في المكان المخصص لذاك ...وصلينا بعد صلاة العشاء جمعا وتقديما بإمامة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الحكيم الأنيس.. وودعنا الامام في الباص ودعا لنا والتمس منا صالح الدعاء..وعلمت بعد أن إمام المسجد من البوسنة والهرسك ويتكلم بعربية فصيحة جميلة وأنه تخصص في العلم الشرعي وحصل الدكتوراه من إحدى الجامعات البريطانية ...وفي الحق فلقد أكرم الامام مثوانا وودعنا مكرمين معززين بمثل ما استقبلنا به...


وممن لقيته في مؤتمر كامبريج سعادة الدكتور إدهام حنش العراقي أحد كبار المتخصصين في الخطوط وألف فيها كتبا سائرة وتوصل فيها آلى أفكار جديدة وكان ممن اشتغل لبعض الوقت مع دار المخطوطات بتركيا وهو اليوم الآن خبير من خبراء إيسيسكو ومقيم عندنا في الرباط بأرض مغرب..ولقد تعرفت على الدكتور المذكور من قبل في غرناطة في مؤتمر دار المخطوطات الثالث وازدادت معرفتي به في هذا المؤتمر المقام في جامعة كامبريج ...ولقد تواعدنا على التعاون الدائم بيننا فيما يعود على البحث العلمي بالتقدم والانفتاح...



ومما زرناه في كامبريج ببريطانيا كلية كامبريدج المسلمة وهي غير تابعة لجامعة كامبريج بل هي مستقلة من مجهودات الجالية الاسلامية في هذه البلاد وفيها برنامج الباكريوس الاجازة في الدراسات الاسلامية ....فاستقبلنا المشرف على الكلية د. عبد الحكيم مراد رئيس مجلس الامناء في الكلية وهو رجل طوال يبدو عليه أنه ليس عربيا إذ هو يتكلم بالعربية بتأن ولكنة ..واعتذر عن الحضور لأن له التزاما سابقا وتركنا الى مشرف آخر على الكلية هو الذي تولى إطلاعنا على مختلف مرافق الكلية...فتجولنا بين جنباتها ..فألفيناها كلية صغيرة البناء ضيقة الأرجاء على قدر طاقة المسلمين المتواجدين في هذه المدينة التي تشتهر بكلياتها وجامعتها ومعاهدها...ولبثنا في الكلية ساعة من زمان بين شرح لمهمتها ودعاء لها بدوام التوفيق والتسديد إذ هي على ثغر عظيم من ثغور التربية والتعليم في قلب بلاد التغريب والتحديث والمدنية والتقدم المادي...


وممن لقيته في مؤتمر كامبيريدج الدكتور عصام البدري العراقي وهو صحفي إعلامي يعيش في مدينة لييرج البلجيكية ومهتم بقضايا المسلمين والجالية العربية على أرض المهجر ..وصاحب قناة فضائية آعلامية تهتم بالجالية المسلمة في الديار الاوربية...ولقد.رأيته ينقل كل حدث علمي في المؤتمر بالصوت والصورة ..ويحرص على نقل ذلك وآذاعته في الوسائل التواصلية التي يشرف عليها..مع طلاقة وجه وجميل صحبة وحسن معشر...



وممن لقيته في مؤتمر كامبريج في بريطانيا الأستاذ الدكتور عبد المجيد نصير الأردني الرياضي الكبير والعالم النحرير الذي جمع بين العلم الرياضي والعلم الشرعي والأدبي مع شاعرية ظاهرة ورهافة حس وظرافة حكاية وجودة محفوظ وكثرته...ما ذكرنا أمرا إلا حكى لنا فيه طرفة أو شعرا أو قصة ...وهو بعدُ أبيّ النفس لا يقبل الضيم شجاع لا يرضى بالدون ...سعدت بصحبته واستفدت من تجربته لكبر سنه وجميل وصفه ورصفه... وفزت بلقائه قبل انصرام العمر وهجوم طوراق الليل والنهار!





لا يمكن للعلم أن تزدهر سوقه وتروج بضاعته من غير سعادة مبهجة وسرور ظاهر وهناء بال وهدوء وراحة...ولقد أدرك الغرب ذلك وتحققه ووقف على كنهه وماهيته ..فاعتنى بتوفير البيئة الصالحة لنهضة علمية حقيقية وقفزة حضارية راقية على الأقل على مستوى الظاهر المادي والوضع التقني...ومن بين أسباب السعادة التي تغمر كل من يأتي الى مدينة العلم في بريطانيا كامبريج ..جمال المرافق السياحية فيها وبهاء جنباتها ونقاء شوارعها وأزقتها..واشتمالها على حدائق غناء وأرجاء فيحاء تخلب اللب وتبهج الفؤاد وتنعش الفكر وتحمل على النبوغ والإبداع...وإذا سكن الخاطر واطمأن البال انطلق الفكر محلقا في مدارج الكمال والرقي والعطاء النافع المتجدد...وهذه مناظر بهية من كامبريج التقطناها في ساعة زمن هني ووقت بهي سمحت بها الأقدار وجادت بها الألطاف تبهج الخاطر المكدود وتسعد الفكر المشدود وتنير الطريق وتبعث على الاجتهاد وتحفز على النشاط وتحيي جذوة الأمل لغد مشرق منشود!


ومما منّ الله علي به المشاركة ببحث عن:" المخطوطات العلمية والطبية في القرن السابع الهجري في الخزائن المغربية " في المؤتمر الدولي الخامس لدار المخطوطات بتركيا في كامبريدج ...وهذا هو المقصد الأهم والمهم الهام الذي بعثني على الرحلة إلى مدينة كامبريج والنهوض الى السفر الى بريطانيا...



وحرصت على أن أظهر مغربيا قحا أصيلا وتلك عادتي وديدني في المؤتمرات والمحافل الدولية فلبست الجلابة المغربية والطربوش المغربي الفاسي بلوازمهما ...تنويها بالحضارة المغربية وتذكيرا بتاريخ اللباس المغربي العريق ...ولقد أعجب من رآني لابسا ذلك والحمد لله أولا وآخرا...



وممن لقيته في هذه السفرة العلمية الأستاذ الدكتور عبد الحكيم مراد وهو رئيس مجلس الأمناء في كلية كمبردج المسلمة وأحد المؤسسين الكبار لهذه الكلية في مدينة كمبريدج في بريطانيا ..أسلم كما قد قيل لي قديما وأقبل على العلم الإسلامي وهو يدرّس في جامعة كامبريدج في كلية الإلهيات..وكان قد ألقى في جلسة افتتاح مؤتمر مخطوطات القرن السابع الهجري الطب والعلوم الرياضية والطبيعية...كلمة ترحيبية بالمشاركين في هذا المحفل العلمي المتميز..وانصرف لبعض شأنه...كما أنني لقيته في زيارة وفد المشاركين في المؤتمر في كلية كمبردج المسلمة وهو الذي استقبلنا عند بابها ورحب بنا وأدخلنا الكلية واعتذر منصرفا لبعض اجتماعاته ..ولقيت الرجل في مطعم في كامبريدج في حفل عشاء للمشاركين في المؤتمر وجلس قريبا من مجلسي فلمست منه تواضعا وإنابة وترحيبا بالوفد الوافد من خارج بريطانيا....
ملاحظة: سعادة الدكتور عبد الحكيم مراد يتوسط هذه الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر




سناء وبهاء ينبثقان من شذى أزهار ورياحين مضمخة بعطر الصلاة والسلام على رسول الله من كامبريدج ولندن.




ومما زرته في هذه الرحلة المكتبة البريطانية في لندن وهي مكتبة فسيحة الارجاء واسعة الأنحاء بها أكثر من 170 مليون وثيقة من كتاب ووعاء معرفي وهي بذلك تكون واحدة من أكبر المكتبات العالمية وتسلك عادة ضمن مكتبة الكونكريس والمكتبة. الوطنية بباريس وبها عدة أقسام وبنايات ...وبناؤها كان على شكل سفينة وقاعات المطالعة والادارة والراحة في الطبقات العليا من البناية وأما قاعات تخزين الكتب ففي أسفل المبنى بعضها فوق بعض الى ثمان طبقات او دركات ...قد نظمت فيها الكتب ترتيبا ونضدت فيها الوثائق تنضيدا ...ولقد استقبلنا موظف المكتبة استقبالا حسنا ووزعنا الى مجموعات صغيرة كلف بها واحدا من عمال المكتبة ليطوف بنا على مرافق المكتبة الفسيحة ...وذلك ما سوف نقصه بعد....



ومما أوقفنا عليه الموظف الذي وكل بنا في المكتبة البريطانية مكتبة الملك جورج الثالث الذي كان مجنونا ومع ذلك ملك خزانة زاخرة بعشرات الكتب في مختلف العلوم والآداب ...ولقد أوقفنا الموظف على مكتبة هذا الملك آذ وضعت المكتبة في واجهات زجاجية ولقد بدت للناس أجمعين ويمكن استعارة كتبها ضمن شروط معينة وطقوس محددة...






ومما زرناه في المكتبة البريطانية بلندن جناح خاص بالكنوز ..وهو جناح مظلم تقل فيه الإنارة وتحضره الرهبة لأنه بحضرة التاريخ المقدس عند الناس قديما وحديثا ... ومما وقفنا عليه في هذا الجناح مخطوطات قديمة لديانات سابقة وشرائع بائدة...وهمنا منها شريعتنا الغراء وكتاباتها المقدسة والمنزهة عن التغيير والتبديل ..فمن ذلك مصاحف قليلة كتب بعضها بالخط الإفريقي البورني المحلى بأبدع الرسومات ونفائس ضروب التزويق .






ومما زرناه في المكتبة البريطانية في لندن قسم منها خاص بمراقبة سير عملية الآعارة في المكتبة إذ هو نظام معقد وسبيل مرتب..إذ يحتاط فيه للكتاب أن يضيع ويتحرى فيه للوثيقة أن لا تفقد...
وراعني أن المكتبة على اتساع خدماتها وعظم بنائها لا تغلق أبوابها على ما أخبرنا الموظف المكلف بنا - أيام العطل ويظل بها جهاز تسيير لخدماتها طيلة أيام الأسبوع...وذلك دليل على تشبت واضح بالكتاب ورقي مؤكد بالحضارة والتقدم.



ومما زرناه في لندن المركز الإسلامي والمسجد الجامع الكبير- المسجد المركزي- التابع له...ولقد أتيناه لصلاة الجمعة..فوجدناه قد غص بالناس فمنهم الجالس ومنهم الواقف واستمعنا إلى الخطبة التي كانت باللغة الانجليزية ...وكنا من حين لآخر نستمع الى الخطيب وهو يستشهد بآيات بينات من الذكر الحكيم وبحديث النبي الكريم بلغة عربية فصيحة وأداء رائع...وبقينا واقفين من كثرة الزحام وتأخرنا عن السعي الى الجمعة لازدحام الطريق بالسيارات ...حتى إذا حضرت الصلاة صلينا مع الناس فيمن صلى..وأدينا الواجب فطاب سعي من سعى...وتجولنا بعد الصلاة في أرجاء المسجد وشهدنا عزة الاسلام وعظمة هذا الدين في هذه البلاد ...فهذا خليجي قد لبس ثوبه الخاص به وهذا تونسي قد تحلى بأبهى حلل وطنه وثالث مغربي قد تزين بالجلابة المغربية .ورابع إفريقي قد لبس ثوبه البهي....ولبثنا على ذلك حامدين مكبرين شاكرين ولآلاء ربنا ذاكرين...




كانت لندن مزدحمة الشوارع مكتظة الأرجاء مرتفعة العمارات والبنايات ...جميلة المعالم حسنة ناطحات السحاب...قد امتلأت جنباتها بالناس من كل حدب وصوب ..وامتلأت أرجاؤها بأصناف من البشر فهي تموج بهم بين أطرافها آناء النهار وزلفا من الليل...قد رتبت حوانيتها ونضدت محلات البيع فيها...على غلاء في الأسعار وفحش ملحوظ في الأثمان...على أن ذلك وإن كان كذلك...فالمساحات الخضراء متوفرة ومياه الأنهار جارية ومباهج الحياة حاضرة كائنة...


وممن لقيته في هذه الرحلة البريطانية سعادة الأستاذ الدكتور فيصل الحفيان السوري أصلا مدير معهد المخطوطات العربية بالقاهرة سابقا لسنين عددا والمدير التنفيذي لدار المخطوطات بتركيا حاليا والمشتغل بالتحقيق ممارسة وتنظيرا ولقد ألف في ذلك فأمتع وصنف فيه فأبدع ومن أواخر ما ألف :"فقه التحقيق من الصنعة إلى العلم" ..وكنت أعرف الدكتور المذكور جلالة قدر وفخامة ذكر وحسن أحدوثة...وكان ربما رآني ببعض المجالس الحديثية التي يعقدها العبد الضعيف ...فكان يعرفني بزيي المغربي الذي أوثره على غيره في تلك المجالس ولا أرغب عنه الى سواه إلا إذا اضطررت...فلما لقيني في هذه الرحلة لابسا اللباس العصري - ما عرفني ولا تقين أني صاحبه الذي يعرفه على تلك الصفة التي نعتً والنعت الذي وصفت...فكان يسلم علي وأسلم عليه.من غير معرفة على وجه اليقين..حتى إذا لبستُ الجلابة المغربية ووضعت الطربوش المغربي لقيني الدكتور. الفاضل مسلما علي وهو يقول هكذا أنا أعرفك وبهذه الصفة أنا أثبتك... حفظ الله مهجة الأستاذ الدكتور وبارك في عمره ونسأ في أجله وأسعد به الناس..



وممن لقيته في مؤتمر كامبريدج سعادة الأستاذ الفاضل إسماعيل حقي تومان رئيس وقف السلطان أحمد بإسطنبول وكان ذلك للمرة الثانية بعد مؤتمر غرناطة بالأندلس مذ سنتين...وهو رجل دائم البشر مبتسم الوجه يبذل ضحكته لغيره دائما ...وكان سلمه الله شديد الآعجاب بي لمرحي كما يقول هو -الزائد وكان قد التقط لي من غير سابق معرفة مني صورا إليها الغاية في الدقة - أثناء إلقائي لمشاركتي في المؤتمر ثم بذل لي الصور مرحبا مكرما مع الثناء الجميل والشكر الجزيل.


المعجب في الخدمات الالكترونية في بريطانيا - فيما رأيت- أنها متوفرة متاحة بالمجان فالانترنيت متاح في محطات القطار والحافلات والمطارات وهو متوفر أيضا على متن القطار وبعض الحافلات وتجد أن وسائل شحن الجوال متوفرة أينما وليت وجهك وذلك يبعث على السعادة فليس يوجد شيء آلا وهو في خدمة الإنسان وتوفير الراحة له...ولولا ذلك لكنت شخصيا هلكت ولما وصلت لوحدي وأنا لا أتقن الانجليزية جيدا - إلى مقصدي من رحلتي والله يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء...
الصورة في القطار من كامبريدج الى لندن وأنا جالس أبعث هذه اللقطات اليكم...


القراءة عادة جميلة وديدن المبدعين ووسيلة المفلحين دينا ودنيا ...وكنت فيما رأيته في كامبريدج ولندن_ ولا علم لي بالغيب- مكتبات مهيأة للقراءة في مواضع يندر وجودها فيها ففي القطار الذي امتطيته من كامبريدج الى لندن رأيت صغيرا لم يشب عن الطوق قد وضع في عربته يقول له والده خذ الكتاب واقرأه يشير لكتاب صغير كأنه لعبة في صورة كتاب يتلهى بها الصبيان الصغار....وفي مقر سكنانا في كامبريدج توجد مكتبة لمن أراد مراجعتها ومطالعة الكتب منها...وبالجملة فإن الشعب القارئ ينبغي أن توفر له أسباب ذلك ويشجع على جعل القراءة عادة











































وممن حضرنا في مؤتمرنا هذا في رحلتي هاته...الاستاذ الدكتور عبد المجيد نصير العلامة الرياضي الشاعر..ما رأيت في مؤتمرنا هذا أحدا أشد حفظا للشعر منه ولا أكثر استشهادا به منه...ولقد كتب في صباح اليوم الأخير للمؤتمر قصيدة غراء بثها شكره للمنظمين هي هذه.



من عجائب هذه الرحلة صورتي مع الدكتور نصير عبد المجيد فكنت ألزمه مستفيدا من كثرة علمه وجودة محفوظه من الشعر ولما دخلنا المكتبة البريطانية رافقته في مختلف مراحل الجولة الإستطلاعية ولما انتهت وتفرقنا جلست معه عند مدخل المكتبة عل مجسم كتاب قديم هو ما ترونه في الصورة محتفلين بالعلم مروجين سوقه مثنين على ربنا بما هو أهله...



البريطان من اكثر شعوب الارض حبا لوطنهم وأشدهم تعلقا بهويتهم..
لا يبغون عنها حولا ولا يريدون بها عوضا.ولذلك تقدمت بريطانيا وازدهرت وترقت في مدارج الكمال واعتلت ذروة التقدم...ونحن اذا أردنا التقدم صرنا على منازلهم في محبة بلدتنا والعمل على عمل الخير وخير العمل لأهلينا وجيراننا....حتى يعم التقدم بلادنا وتنتشر الرفاهية بين ارجائنا.



كان خروجي من الديار البريطانية حدثا صعبا وأمرا مشكلا وحالة مستعصية...وذاك ما صار لي عادة عند.كل إياب من سفر بالطائرة من أوروبا...ففي لشبونة بإسبانيا قبل عام ويزيد لما كنت راجعا إلى بلادي بعد قضاء نهمتي من سفرتي العلمية قيل لنا في المطار بعد طول انتظار ان الطائرة قد.تأخر وصولها وأن حجزنا على المغرب ألغي وأنهم سيذهبون بنا إلى لشبونة لقضاء ليلة زائدة على حساب شركة الطيران تمهيدا لنقلنا الى المغرب من الغد..و في مالقة بإسبانيا لما كنت راجعا قبل عامين من مؤتمر دار المخطوطات بغرناطة قيل لي إن في حجزك غلطا ذلك أنهم جعلوا عودتك بعد شهر من تاريخ وصولك الى اسبانيا فسقط بيدي وزدت يوما على حسابي وأديت ثمن تذكرة جديدة من الغد لكي أصل الى بلادي....فتخلص لدي أن عودتي دائما من أوروبا الى بلادي تكون عسيرة وصعبة...فكنت أتوجس شرا من عودتي يوم الأحد 15\9\2024 من مطار هيثرو لندن الى بلادي...وأتوقع حدوث أمر لابد من وقوعه..فلما وصلت بالقطار الى لندن قادما من كامبردج يوم السبت 14\9 عزمت على حجز غرفة في فندق قريب من المطار ليسهل التخلص منه إليه في الغد في الوقت المعلوم ...وكان بعض معارفي قد تقدم إلي باسم فندق وأعطاني خريطة الوصول إليه...لكن الذي قُدر لي أن أستعمل من محطة king cross المترو من أجل الوصول الى المبتغى بعد سؤال من اشتريت منه تذكرة الركوب....وهكذا غامرت بنفسي في مترو يموج بالناس موجا ويضطرب بالمتروات اضطرابا....فامتطيت حوالي خمس متروات كل ذلك وأنا مدنف مريض من برد كان قد أصابني في الليلة الأخيرة في كامبريدج مع سني وثقل حقيبتي...وكنت ربما سألت شبابا من العاملين في المترو بدا لي أنهم من المسلمين فكانوا يرشدونني لكن واحدا منهم - وكان يمنيا- قال لي بلسان عربي فصيح بليغ لا تتعب نفسك يا دكتور في محاولة الوصول الى الفندق الذي دلك عليه صاحبك - لأن أغلب الخطوط اليوم بها إضراب- وانزل في أول محطة وابحث لك عن فندق هناك تستريح فيه وغدا خذ لك طاكسي الى مطار هيثرو...فألفيت نصيحة اليمني قد محض زبدتها وأخلص لبنها فلزمتها حذو القذة بالقذة.... ونزلت لأول محطة وخرجت من عالم في دركات الأرض وأسفل سافلين إلى رحاب ملكوت الله تحت سموات نيرات وفوق أرضين مذللات....وهنا بدأت فصول من العذاب الأليم والشقاء المقيم..
ملاحظة: الصورة الأولى لمكتبة وجدتها عقب نزولي من تلك الدوامة من المترو.
والصورة الثانية تظهر الحي الذي نزلت فيه من لندن بعد مغامرة المترو...

لما وصلت إلى لندن في المكان الذي في الصورة كنت في الحقيقة ضائعا تالفا لا يلوي على شيء...جلست عند أول كرسي حديقة وجدته ...قلبت أوراقا كنت أعددتها لأسماء فنادق في لندن قبل سفري...ليس فيها من هو على اسم الشارع الذي أقرأ نعته أمامي...تواصلت مع بعض معارفي حددت لهم مكاني الذي قذفني فيه المترو...انتظرت قليلا...تواصلت كرة أخرى مع بعض أهلي ...ألفيتهم متأثرين قلقين متوترين...جاءتني بعد المعلومات من قبلهم تقول توجد فنادق في هذه الجهة في الطرف الآخر من مكاني....تحركت قليلا عساني أدرك بركة الحركة...لم أهتد الى مكان الفنادق مع أن أهلي أكدوا لي قربها مني وشددوا عليّ أن لا آخذ طاكسي إليها...لكن قرب الشيء منك ربما يعميك عنه...وجدت شابا إنجليزيا في مقتبل العمر جالسا قريبا مني سألته عن اسم فندق من تلك الفنادق...فطلب مني وقتا ليجيب وأمسك هاتفه وفتح خريطة...ثم بعد هنيهة أجاب قائلا إنه قريب من هنا بحوالي ثمانية دقائق مشيا على الأقدام...شكرت الشاب فلقد رثى لحالي وساعدني بما في وسعه وأكبرت حسن تعاونه وتفاعله مع مصابي وتلفي...مضيت تابعا المعالم التي دلني عليها....حتى إذا شككت في سلامة طريقي الى غرضي توقفت فرفع إلي شخص إفريقي طويل قلت لأسألنه...فسألته وأخبرته بما عندي...فقال لي لا تبحث في هذا الطريق فإني قادم منه فلا فنادق فيه...وخض في هذا الطريق المقابل له فلعل ما تريد هناك.....تابعت الإفريقي ساعة لم يتبد لي فيها فندق...شككت فرجعت...إلى مكاني القهقرى....لما وصلت أدركني تعب عظيم وازداد مرضي ..وعظم بلائي وعيل صبري...سألت أول من لقيته وجدته بنغاليا مسلما ...فأفادني أن ما أبحث عنه من خلال خريطة عنده في جواله يوجد في موضع قريب من موضعي الأول الذي نزلت فيه قولا واحدا....كررت راجعا أجرّ قدمي وأنفض عني سنين لي مضت من عمري....متفكرا في عجيب ما يحدث لي إذ لو كان عندي خريطة جوال لوصلت لكن هاتفي انتهى رصيده من الشابكة.... وانقطع تواصلي مع أهلي وبعض معارفي....هنا تذكرت ربي حيث ينقطع دونك الناس ويدعوك لوحدك في أزمة وفقر وبلاء وفتنة....هنا يشرق نور الايمان في قلبك أن اذكر ربك الذي في السماء فهو لن ينساك....قوي مني الخاطر وصلُب مني العود وحمِي مني الفكر...وهتف بي ضمير ربي في صدري لابد أن تكشف الغمة وتنزاح الفتنة وتنقشع الظلمة...أخذت في طريقي...رفع لي الفندق الاول هششت وبششت...فرحت واستبشرت أنْ قلت نجوت....
لكن ورب الكعبة ما نجوت وما زال مسلسل العذاب مقيما والشاق حاضرا وهو ما نقصه عليك قريبا..




لما رفع لي الفندق المذكور وأيقنت أنه هو من صورته التي أرسلت إلي من بعض أهلي قبل انقضاء حصتي من النت...هرعت إلى بوابته فاتحا وإن كنت وجدت امرأتين مسنتين واقفتين على الباب انبهم عني أمرهما حينئذ...فلما ولجت وجدت صخبا منبعثا من أحد أطراف المكان...وموسيقى ونسوان...فسألت معترضةً عليّ هل هناك غرفة للكراء ..قالت لي المعترضة أتقصد أنك في فندق تريد غرفة؟ قلت هذا الذي قصدت ونحوه وجهي يممت...قالت كان هذا المكان فندقا زمانا أما الآن فهو كازينو....فسقط في يدي وندمت أن دخلت اليه حيث ترى فيه ما لا يرضيك ولا يرضى به عليك الرب ...خرجت مسرعا مستعيذا بالله من التردي بعد الهداية ومن الضلالة بعد الإبصار....وكأني خرجت من عالم الشيطان الى فسيح عالم الرحمن...وإذا المرأتان اللتان ألفيتهما واقفتان من قبل تنبهتا لمكاني فقالت إحداهما لعلك تريد فندقا عاديا تقضي به ليلتك وتسافر؟ قلت أجل قالت اتبع هذا الطريق ستجد فندق هليداي ايين ...فتابعت الطريق بعد شكر العجوز على وفق ما نعتت...حتى وصلت وعلى الفندق المخبإ وقفت...فطرقت بابه وتباشير انفراج الأزمة تلوح في الافق...والسعادة تكاد كرة أخرى تلاحظني بعيونها....لكن ذلك لم يقدر إذ طُلب مني الأداء بالكرت ( البطاقة) وليس بالكاش الذي معي...فجلست في بهو الفندق متفكرا ولهذا الإشكال متدبرا....وقد دارت بي الأرض دورانها...واشتدت بي الازمة وتوالت عليّ المحن وقد مضى علي يومها مذ خرجت من كامبريدج صباحا باكرا ثمان ساعات وأنا على حالي تلك ..وهجم علي التعب...وتنبه فيٍّ الجوع...وتذكرت أهلي فلعل الله يُجري على أيديهم خيرا...أو يكونوا سببا فيه...فتواصلت معهم لعلهم يجدون لي من ينوب عني بالاداء بالبطاقة...فلم يجدوا مع التفتيش التام والبحث الحثيث....ولم يكن حاضرا في خلدي حينئذ قوم من أصحابي - واحد أو أثنان- لو تواصلت مع أحدهما لكان بادر بالمساعدة قبل أن أتمم. طلبي...لكن قدر الله وما شاء فعل....وحاولت مرات عديدة مع أحد الاطر العليا في الفندق قال إنه لن يستطيع ان يخالف اللوائح والقانون ودعك من المشاعر والبكاء على العواطف فالقوم قد حُرموا منها إلا قليلا....جلست لوحدي متفكرا ولأمري متدبرا فألهمني الله أن أبيت ليلتي تلك في المطار وأن أظل منتظرا طائرتي لأكثر من 24 ساعة قبل طيرانها....
وهنا بدأ فصل آخر من العناء ثبت الله منا الأركان....
صورة الطائرة المغربية التي عدت بواسطتها الى مركب الأمان بإذن مجري السحاب.





 



كان قراري المبيت في المطار ليلة قبل موعد إقلاع الطائرة التي ستقلني من لندن الى الدار البيضاء بعد استخارة ومشاورة مع أهلي ..فلما انشرح صدري لذلك وانفسح وطرب له خاطري واتسع أخبرت من كان في الاستقبال من موظف ذاك الفندق الذي أبى مسيروه أن يقبلوا مني الكاش أداء لأجر كراء الغرفة...بأن يعينني في أخذ طاكسي الى المطار ...فاستجابوا وتحدثوا إلى من يعرفوه من أرباب الطاكسيات وسمحوا لي بالجلوس في البهو انتظارا لقدومه...وفي الحق فلقد كانوا معي متعاونين ولسني مقدّرين...وطلب صاحب الطاكسي هويتي بما فيها من معلومات فبذلتها له بواسطتهم وعرفت منه من طريقهم أنه خلال نصف ساعة سيكون عندي...فلبثت في البهو أترقب...وأقول في نفسي لعله سيتأخر...بيد أنه ما إن مرت النصف ساعة حتى ألفيت رجلا يدخل باب الفندق يسأل عني ناطقا باسمي متلفتا إلي...فما إن رآني حتى هرع إلي مساعدا في حمل الحقيبة!!
كان سائق الطاكسي شابا في مقتبل العمر من أفغانستان قد.لبث في بريطانيا دهرا وهو الآن ينتظر. قدوم زوجته من تركيا ليجتمع الشمل ويبنى البيت من جديد...ولقد لمست منه حسن تعامل وسألني بعد أن أنهينا ركن التعارف بيننا ماذا أحب أن أسمع طيلة رحلتي من باب الفندق الى المطار...فقلت القرآن الكريم...إذ كان ترياقي حينئذ وشفائي....فأسمعني من قراءة قارئ عندهم مشهور في لندن...فعشت مع الكتاب المنزل وانثالت المعاني من تلك المباني..وأنا أودع بلدة ضاقت عني وضقت بها ...إذ لتسعني بلدتي التي بها نيطت عني تمائمي...
أوفيت سائق الطاكسي أجره وشكرته على معاملته الطيبة وودعته وتيممت الباب الذي نصحني بأن أدخله للمغادرة - أستغفر الله- بل لأبيت هناك في انتظار المغادرة !!!
وهنا يبدأ فصل جديد من فصول رحلة العودة بما فيها من عذاب ومتاعب وآلام لا تنسى
الصورتان حقيقيتان من تصويري من مطار هيثرو بلندن.



دخلت الى مطار هيثرو - في محطة رقم 4- كأنه داري أقول هنا سأكون وآوي..وأبيت وأصبح وأمسي...تفقدت أركانه كمن يتفقد أركان بيت بناه وشاده...فعرفت مرافقه وأبوابه ومداخله ومخارجه ..وأسلمني التجوال فيه إلى طريق يؤدي إلى فندقين من ذوات النجوم...قلت لنفسي لم لا تراجع الفندقين لعلك تجد.سبيلا للمبيت الطيب الهني قبل وقوع الواقعة وهجوم طوارق الليل ...فحثت السير إليهما وسألتُ وتقصيتُ حتى أحفيتُ...فرجعتُ بخفي حنين...القانون واحد والنهج واحد ونحن ربنا واحد وهو حافظنا ومسندنا لا اله لنا سواه.... دخل الليل وأرخى سدوله...وامتلأ المطار بالمغادرين ...جلست في كرسي...الكراسي أقل من الناس...كان اليوم يوم.سبت وهو يوم إجازة وعطلة عند هؤلاء القوم....صليت على الكرسي المغرب والعشاء جمعا وقصرا بخفي...قيل لي المسجد وهو عبارة عن غرفة صغيرة توجد بعد مجاوزة التفتيش- لكن الآن لم تكن بي حاجة الى مجاوزة ذلك...ومغادرتي لم يحن وقتها بعد....أمعن الوقت في الانقضاء شارفت الساعة على منتصف الليل...تخفف المطار من مراجعيه...كادت أبوابه توصد لكنها بقيت مفتوحة...لقد آوى كل ضجيع آلى مضجعه...وكل حبيب الى حبيبه...وكل غريب الى مأواه ومثواه...بقيت جالسا في الكرسي الذي صليت فيه ...أقاسي الليل وأكابده...تذكرت أشعار الشعراء في ذلك...ثارت أحزاني...ازدادت هواجسي...رجعت الى ربي استحضرت كلامه فغدا سميري وحديثي...لكنني ما دريت كيف غلبتني عيناي فنمت على حالتي تلك ...لست أدري كم قد مضى علي من الوقت وانا نائم لكنني انتبهت من قريب ...كان قد مرت علي ثلاث ساعات متواليات وأنا نائم على غير جنب مضطجع...بل هو نوم القاعد المكره على النوم...نسيت قطرة العين التي للضغط ...ونسيت تنظيف الأسنان...بل نسيت نفسي....لكنني نمت تلك الساعات أمنة من الله...تنعش القلب وتجدد النشاط وتبعث على الحياة!!!
جاء الفجر جددت الوضوء في مراحيض نظيفة...صليت على كرسي مقهى...طلبت قهوة وشيئا ليؤكل...طلع صبح يوم جديد!
خرجت من المطار ألتمس شمسا دافئة ترسل خيوطها ...
مضى الوقت بعد سريعا...جاء الظهر..نودي على التسجيل في رحلة العودة الى المغرب في الثالثة زوالا...
تقدمت للتفتيش...جاوزت الآلة...قال لي المفتش البنغالي قف...سنفتشك كرة أخرى...قلت في نفسي وهذه ثالثة الأثافي وتمام ختام ألوان العذاب التي لقيتها في إيابي من سفري....أوقفني المفتش ولم يكن بريطانيا أصلا- قال لي أخرج جيوب البنطلون...أخرجتها منصاعا...ثم أدخلتها....قال لي قف...ثم أدخل يده بين الحزام والسروال مفتشا...وانا أقول وماذا تريد. من مسكين أن يحمل معه هنا في هذا الضيق ...اللهم لا تقتلنا بغضبك...أخرج المراقب يده صفرا قال لي تفضل لقد تم التفتيش ....طربت لذلك قلت جازما...لن أعود إلى هذه البلاد.أبدا مختارا لا بأس بي....ولتسعني داري..
طارت الطائرة المغربية متأخرة عن وقتها ...تطلعت إلى سماء لندن لآخر مرة...ألفيتها ملبدة بالغيوم ...سارت الطائرة مسافة طلعت الشمس...نمت أغلب وقت الرحلة...ما راعني إلا الربان يقول:الطائرة تهبط إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء. الحمد لله على السلامة..
الصور المرفقة حقيقية من التقاطي لي في الطائرة جالسا بعد رحلة العذاب ..وللسماء من الطائرة ولي عند وصولي الى المغرب وكأني خارج من القبر من التعب والمرض .
انتهت الرحلة الرستمية وبالخير عمت وعساها تغدو كتابا فاللهم يسر.




التعليقات