التعقّبات على كتاب “أكثر أبو هريرة ” وبيـان مــــا فيه مــــن مفتــريـــات
لم يدر بخلدي قط في يوم من الأيام، أنني سأقف موقف الناقد المتعقب لكتاب صديق قديم جمعتني به نوع مخالطة أيام الطلب والأخذ، بيد أن قضاء الله جرى بأن يقع في يدي كتاب: “أكثر أبو هريرة” لذاك الصديق، فما هو إلا أن مررت عليه قراءة، حتى بعثني ذلك على كتابة هذه التعقبات، لجملة أسباب، أجلّيها للكاتب على هذا النحو:
أولا: ظهر كتاب الصديق القديم، وإن فينا مع فريق المؤمنين المهتدين فريقَ المرجفين الضالين، ومع أهل الحق واليقين عصابةَ المنهزمين المتشككين، الذين رأستهم “تلك” بما نشرت من مقالات، وكتبت من اعتراضات، أسقطت فيها – زعمت- رؤوسا وهامات ، وأعلنت فيها من شأن العقل وسلطانه، ونالت فيها من قوى التقليد وأعوانه… فكنا نود أن لو أخر الكاتب إخراج باكورة عمله، وثمرة بحثه واجتهاده إلى حين ذهاب هذه الفتنة، ورفع تلك الغمة…
ثانيا: أحدث كتاب الصديق القديم بلبلة عظيمة، وضجة وفتنة، فأهل الخير والإيمان فيهم من غلبته الحمية الإيمانية، والغيرة الدينية، فذهب بعضهم يقبّح ويجرّح، ويفسّق ويكفّر، بعثهم على ذلك الإيمان ومحبة الصحابة، وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما أهل الشر والضلالة، والمرجفون والمتخرِّصون، فانتهزوها فرصة للتشهير بالطائفة الأولى، فقالوا: هذا حجْر على فكر، ووصاية على رأي، ووأد لنظر، ولعمر الله إنه إقطاع!! وتا لله إنه لجمود!!.
وما حملهم على ذلك حب للكاتب، ولكنها فرصة سنحت، فقالوا: لعلها تصيب مقاتل الخصوم، وتقصم ظهورهم، فيذهبوا وتذهب ريحهم، ولكن هيهات!!.
ثالثا: رغبتنا في أن يفيء الكاتب إلى الحق إذا لاح له وبان، ووالله لأوبته إليه خير لنا من التمادي في الباطل، ولرجوعه إلى ما كنا نعرفه به من التعظيم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه خير لنا من إعراضه عن ذلك كله.
رابعا: جناية الكاتب على أبي هريرة، وتعدّيه على قواعد أهل الحديث التي أفنوا في تقعيدها أعمارهم، وحَفِيَتْ في الاستدلال عليها وتطبيقها أقلامهم، فجاء الكاتب -هداه الله- يكتب بضع كلمات(1) وهو مستريح مطمئن، يهدم تلك القواعد، وينسف تلك الضوابط، ويا ليته إذ هدم بنى، وإذ افترى اكتفى، بل إنه دس الشكوك ومضى، وبث الشبه وجزم بها.
خامسا: الخشية من اغترار الطلبة المبتدئين القارئين للكتاب، بما قد حشاه به المؤلف من شبهات وافتراءات، قد تروج على الغِرّ الذي ينخدع لمرآها وعرضها وسياقها، ويُسر بها المعاند الجاحد، فيطير بها ذات اليمين وذات الشمال يقول: ها هو ذا البيان الشافي، والدليل المفحم الكافي، وما درى المسكين أنها في أولها شبهة، وفي آخرها شبهة، وأنها زبد من القول {فأما الزبد، فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض}(سورة الرعد).
وقبل أن نخوض في رد الشبهة بالدليل الناصع، ومقارعة الفرية بالحجة الواضحة، نستحب لقارئ كتاب “أكثر أبو هريرة”، أن يلم بجملة أمور تَعِنُّ له إن هو أطال النظر فيه، فمن ذلك:
1- كتاب الصديق القديم، لا يجري على سنَن أهل العلم في كتابة البحوث والدراسات العلمية، من وضع مقدمة للكتاب المؤلِّـف، يبين فيها صاحب الكتاب منزلة بحثه، وفائدته وعائدتَه على البحث العلمي المعاصر، ثم يشرح فيها طريقة التأليف، والباعث عليه… وأما صاحبنا فشرع في كتابه، بذكر العنوان، والتنصيص على أنه من تأليفه، ثم أحال على الحاشية، حيث أعلن الحرب على أبي هريرة من أول صفحة، فذكر أنه أكثر الصحابة تحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه اختلف في اسمه على أقوال جمة، وتلك أول شبهة، ومر في هذا السبيل ناقلا نصوصا من “سير أعلام النبلاء”…
2- لما كان كتاب:”أكثر أبي هريرة” كتاب شُبَهٍ وأَرَاجِيفَ، فإن مؤلفه بناه عليها، فجعل الشبهة عنوانا على كل فقرة من فقرات الكتاب، وقدم قبل الترويج لها دليلها – زعم – من كتب الحديث.
3- لا ينتقي المؤلف أدلة الشبهات التي يروج لها عن أبي هريرة إلا من الكتب الصحاح كالبخاري ومسلم وموطأ مالك، أو مِنْ أنْزَلِها رتبةً كالسنن الأربعة، وسنن الدارمي ومسند الإمام أحمد، وقد يتنزل المؤلف إلى ما عداها كطبقات ابن سعد، وحلية أبي نعيم، والسِّيَر للذهبي، والإصابة لابن حجر، وقد يبدو هذا الصنيع- لأول وهلة – محمودا من المؤلف، بيد أن فيه تنقيصا من شأن هذه الكتب، وغضا من منزلتها، لا سيما ما قد صح منها، كالصحيحين وموطأ مالك، والمؤلف لم يتجاسر على الجهر برأيه في هذه الكتب الثلاثة على وجه الخصوص، لا في أوائل الكتاب، ولا في ثناياه، إلى أن عِيلَ صبره قبيل أواخره، فقال – هداه الله – في لوعة كأنها نفثة مصدور: “…وفي كل الحالات، فإن كتب السنن توجد فيها أحاديث مرفوعة وموقوفة، وهو ما يوهم بأنها جزء من الدين الإسلامي وهو منها براء؟ ولعل هذا الوجود لمثل هذه الأخبار ليطرح على مصداقية هذه الكتب ونقلها للإسلام الحنيف شكوكا كثيرة…”(2).
4- الشبهات التي بثها المؤلف في كتابه وساقها مساق الحجج والأدلة، ليست من اختراعه، بل هي شبهات قديمة راجت مع الفرق الكلامية، وتلقفها عنهم المستشرقون الحاقدون في هذا العصر، وافتتنت بها نابتة في المشرق الإسلامي كأحمد أمين في “فجر الإسلام”، وأبي رية في كتابيه:” أضواء على السنة المحمدية” و”شيخ المضيرة أبو هريرة”، وليس للمؤلف إلا هذا العرض الجديد، القائم على ذكر أدلة الشبهة أولا، ثم التعليق على ذلك بأسلوب زعم المؤلف – كما هو ظاهر من غلاف الكتاب – أنه “تحليل”.
وأنت أيها القارئ، فلا يغرنَّك هذا “التحليل”، فإن ظاهره كذلك، بيد أنه أشبه شيء بالخواطر التي قد يجنح بها الخيال بعيدا عن الحقيقة.
5- وأنا ما رأيت كتابا تكثر فيه الأسئلة كما رأيت من أمرها في كتاب “أكثر أبو هريرة”، ولعمر الله إنه سبيل المتشكك في يقين واقع، يدفعه من هنا وهناك، حتى إذا أحاط به من كل جهة، انهال عليه بالأسئلة.
ولقد جرى المؤلف على التلطف في العبارة، بيد أنه لم يخل كتابه من السخرية والطّنْز(3) بأبي هريرة(4)؛ كما أن المؤلف لم يتجاسر على التصريح برأيه في أبي هريرة، إلا حينما يشتد عليه الكرب، وتطوقه الشبهة من كل جانب، فلا يملك لها دفعا فيصرح(5).
وإذ بلغ بنا الكلام إلى هذا الموضع، فلنبدأ في حكاية مطاعن المؤلف في أبي هريرة مع نقضها، والاعتراض عليها :
1- الاختلاف في اسم أبي هريرة: لم يعرج المؤلف على هذه الشبهة، وذكرها في حاشية الصفحة الأولى من كتابه، حتى يقال: ما أكثر أدلته وحججه!!، وهل هو إلا جامع يحشد كل شبهة، ويردد كل فرية، وهذه الشبهة سبقه إليها جولد تسيهر فيما كتبه عن أبي هريرة في دائرة المعارف الإسلامية(6)، ورددها أبو رية في كتابيه اللذين مرا آنفا(7). ومن أقوى الأجوبة عن هذه الشبهة:
أ-الاختلاف في اسم الرجل، و اسم أبيه ليس يوجب إنكار وجوده التاريخي، وهناك صحابة قد اختلف في أسمائهم اختلافا كثيرا، ولم يقل أحد إنهم ما وجدوا، وأبو هريرة ] إنما اشتهر بكنيته، حتى غطى ذلك على اسمه الأصلي، فنسي.
ب- ما قيل من أن الاختلاف في اسم أبي هريرة وأبيه بلغ إلى ثلاثين أو أربعين قولا، لا يصح ، ولذلك قال ابن حجر بعد ذكر بعض هذه الأسماء المروية:”… مع أن بعضها وقع فيه تصحيف أو تحريف، مثل بر وبرير، ويزيد، وكذا سكن وسُكين…” إلى أن قال: “فعند التأمل لا تبلغ الأقوال عشرة خالصة، ومرجعها من جهة صحة النقل إلى ثلاثة: عمير، وعبد الله، وعبد الرحمن”(8). فانحصر الخلاف في ثلاثة أسماء، وبذلك يهون الخطب، ويسقط ما يتشبث به المرجفون.
2- طبيعة أحاديث أبي هريرة: جزم الكاتب بأن الغالب على رواية أبي هريرة “طابع القصص وأخبار الأمم السالفة”(9)، وهذا الذي قطع به الكاتب – وإن كان فيه نصيب من الصحة، ففيه نوع غلو وتجريح: فأما وجه غلوه، فذلك أن أبا هريرة حمل عن النبي صلى الله عليه وسلمالكثير الطيب من الأحكام والآداب التي فيها مشهور الحديث كقوله صلى الله عليه وسلم:” إذا رأيتم الهلال فصوموا”، و”حُفَّت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره” و”الدين النصيحة..” و “ليس منا من غش” و”لا يَبِعْ حاضرٌ لباد” و”لا يُمْنَعْ فضلُ الماء، ليُمعَنع به الكَلأ”، و”إياكم والظن…” و”كل مولود يولد على الفطرة” و”المسلم أخو المسلم..” و “من سئل عن علم فكتمه..” و “دخلت امرأة النار في هرة…”، و”لا تحاسدوا ولا تناجشوا”، و”كل عمل ابن آدم له إلا الصيام…”، و”ما زال جبريل يوصيني بالجار…”، إلى غير ذلك مما لا يَنْعَدُّ كثرة.
وأما وجه التجريح الذي فيه، فذلك ما أفهمته عبارة الكاتب من أن أبا هريرة قاصٌّ من الطراز الأول، يحمل عن أهل الكتاب، وذلك الذي سيقرره الكاتب بعد حين، ولنا معه فيه وقفة تأتي في الموضع الذي هو أمْلَكُ بها.
3- إكثار أبي هريرة من التحديث والاعتذار عن ذلك: لما كان رأي الكاتب في أبي هريرة فاسدا، ذهب يؤول كل خبر صح عن أبي هريرة في الاعتذار عن إكثاره من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا راج تأويله لتلك الأخبار على القراء، وانخدعوا لذلك “النقد” و”التحليل” تم للكاتب ما أراد. ولكن هيهات!!.
وما قد صنعه الكاتب هنا هو الذي صنعه من قبله جولد تسيهر وأحمد أمين(10)، فهل هو من توارد الأفكار، أم من نقل الآخر عن الأول؟!.
أ- مبادرة أبي هريرة إلى تبرئة ساحته: رأى الكاتب في مبادرة أبي هريرة إلى تبرئة ساحته في مثل قوله:”يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد”-إثباتا لوجود الكلام فيه، إبان عصر الصحابة، وذلك دعاه إلى الرد على معاصريه، والدفع في صدورهم(11).
ونحن نقول: وماذا في ذلك؟ وهل ذلك إلا منقبة لأبي هريرة، إذ لو كان كذابا – وحاشاه من ذلك – لسكت، ولما واجه الناس بأنهم يقولون أكثر من التحديث.
ب-ذكر أبي هريرة للأنصار والمهاجرين: فسر المؤلف ذكر أبي هريرة للأنصار والمهاجرين في قوله: “وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلمبمثل حديث أبي هريرة”-تفسيرا عجيبا إذ قال:”إن أبا هريرة كان على علم بما في أحاديثه، من الاختلاف عن أحاديث غيره من الصحابة الآخرين، مهاجرين وأنصارا فهم لا يحدثون مثل حديثه، ولا يكثرون مثل إكثاره وهو ما دعاه إلى الرد على الناس…”(12). قلت: وهذا من فطنة أبي هريرة وحسن تصرفه، إذ المهاجرون والأنصار سبقوه إلى الإسلام، وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يفضلهم هو بكثرة مروياته؟ ولقد أجاب ] عن ذلك لما قال:” إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم…”، والمؤلف فصل القول الأول المنقول عن أبي هريرة، عن هذا القول الأخير، بينما وقع ذلك في سياق واحد، عند البخاري في كتاب البيوع(13)، (وهذه آفة الكاتب – هداه الله- ينتزع بعض الخبر من سياقه، حتى يفهم منه معنى معين، ولولا الانتزاع والفصل لما أفهم ذلك المعنى)!!.
ت-اعتذار أبي هريرة بعدم كتمان العلم: ذكر المؤلف ههنا قول أبي هريرة: “… ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى” إلى قوله: الرحيم}(سورة البقرة)، ثم قال:”…وهو بذلك يجعل الأخبار التي يبثها في الناس من البينات… ولذلك فلا يجوز كتمانها، وهي روايات تخالف ما رواه أبو هريرة نفسه عن الأكياس، والأوعية التي كتم ما فيها خوفا من أن يقطع هذا البلعوم”، فهل يخشى أبو هريرة الله أم الناس؟”(14)، وهذا الذي ذكره الكاتب رأي “بعيد”، ونظر غير سديد، ذلك أن من أهل العلم من وفق بين الذي ذكره أبو هريرة من خوفه كتمان العلم، وبين قوله: “حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم”، يعني أنها كانت أحاديث الساعة، وما عرَّف به عليه السلام من فساد الدين، وتغير الأحوال، والتضييع لحقوق الله تعالى كقوله عليه السلام : >يكون فساد هذا الدين على يدي أُغَيْلِمة سفهاء من قريش<وكان أبو هريرة يقول: “لو شئت أن أسميهم بأسمائهم” فخشي على نفسه، فلم يصرح” قال المهلب بن أبي صفوة شارح البخاري: “ولو كانت الأحاديث التي لم يحدث بها من الحلال والحرام ما وسعه تركها لأنه قال: لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم ثم يتلو: “إنالذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى”(15).
فانظر – رعاك الله -كيف جمع المهلب بين القولين المنقولين عن أبي هريرة، مع التوقير له، والتعظيم لمقامه، كيف وهو الصحابي الذي شرف بالمثول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم وازن – سلمك الله- بين هذا الصنيع وبين صنيع الكاتب الذي نكت على أبي هريرة وبهته عندما قال: “…فهل يخشى أبو هريرة الله أم الناس؟.
وقول الكاتب بعد: “وهل يكون منعه من القصّ والتحديث على عهد عمر وعثمان كتمانا للعلم كذلك”؟ إن كان عنى به ما قد ورد عن عمر من قوله لأبي هريرة: “لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلمأو لألحقنك بأرض دوس”(16)، فإن هذا محمول كما قال ابن كثير: من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه… وقد جاء أن عمر أذن له بعد ذلك في التحديث”(17). فهذا هو الحق في موقف عمر، فأين ما مَوَّهَ به “المحلل” “الناقد”؟! ثم عمر كان يذهب إلى الإقلال من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك زَجَرَ غير واحد من الصحابة عن نشر الحديث، وإذا اتضح لك هذا وفَهْمِته، سَهُلَ عليك دفع ما نَكَّتَ به المؤلف على أبي هريرة من أنه كان كاتما للعلم أيام عمر، إذ من مقتضى ما قلناه أن يكون أبو هريرة مضطرا لا مُخَيَّرًا.
ج- اعتذار أبي هريرة بكونه كان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وههنا تهور الكاتب الطاعن على أبي هريرة، فقال بعد أن ذكر الأحاديث المفيدة لملازمة أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “والملاحظ أن الحديث عن هذه الملازمة إنما كان من أبي هريرة عن نفسه، ولم نجد أحدا من الصحابة يتحدث عن هذه الملازمة، وهذا الحضور بل لم نجد له عندهم ذكرا ولو عارضا.. إلا ما كان من رواية حسان الشاعر وعبد الله بن عمر وهي تحتاج إلى مدارسة خاصة”(18). قلت:” ما أنكره الكاتب من شهادة بعض الصحابة لأبي هريرة بطول الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثابت مروي عن غير واحد منهم، فهذا طلحة بن عبيد الله يقول: “أما أن يكون – يعني أبا هريرة – سمع من رسول الله ” ما لم نسمع عنه، وذلك أنه كان مسكينا لا شيء له ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نحن أهل بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلمطرفى النهار، لا أشك إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلمما لم نسمع، ولا تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلمما لم يقل”(19).
وهذا ابن عمر يقول لأبي هريرة:”كُنْتَ أَلْزَمَنَا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه”(20).
وأظن ظنا يقارب اليقينأن الكاتب خلط بين هذه الرواية وبين رواية نافع قال: “كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة، فبقي يكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله على المسلمين”، قال الذهبي :”في إسنادها الواقدي”(21)، وذلك حمله على قوله:” … وهي تحتاج إلى مدارسة خاصة”، يعني إلى “تحليل”، و”نقد”.
وأما تهويل الكاتب بقوله:” إن التصور الذي تنبني عليه هذه الرواية – يعني رواية الملازمة – هي كون النبي صلى الله عليه وسلممهمته تحديث الناس في المسجد، وأن أكثر الناس ملازمة له هم المعتكفون فيه… وهو تصور إذا كان يتناسب مع عصر الرواية الشفوية… فإنه لا يتناسب مع زمن الرسالة، وشخص الرسول صلى الله عليه وسلموخصوصا في أواخر حياته وبعد مجيء النصر العظيم… إذ كانت الوفود تأتيه… وكانت مهام الدعوة والتعليم لا تمثل إلا إحدى مهامه، فهو الرئيس والقائد العسكري والإمام والقاضي والرسول، كما هو الإنسان الذي له بيت وأزواج وذرية، وله أقارب وأصحاب وعلاقات محلية ودولية… ومن كانت هذه بعض مهامه، فإنه لا يجد الوقت الكافي للقيام بها، بله أن يتفرغ للرواية والتحديث…”(22) -فهل هو إلا مضغ للكلام الذي يجر بعضه بعضا، ونقول: نعم، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلميقوم بذلك كله ومعه أبو هريرة – إلا أن ينفرد بأهله صلى الله عليه وسلم- يدور معه حيث دار، ثم ألم يأتك أيها الكاتب نبأ الكبراء من القادة والزعماء، كيف تدور معهم حاشيتهم حيثما داروا، فكذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك في حقه متعين مشروع إذ هو الرسول المبلغ عن الله، وحركاته وسكناته في كل ما ذكرت محفوظة مرعية، فلا جرم أن يوجد من يرعاها ويحفظها مِنْ صَحْبِهِ وأبو هريرة منهم.
ح-اعتذار أبي هريرة بأن المهاجرين والأنصار كان يشغلهم الصفق بالأسواق: ذكر الكاتب هنا الروايات المفيدة لذلك ثم قال مدعيا أن هذه الروايات تثير إشكالات (كذا قال) وذكر منها واحدة فقال:”.. ومن هذه الإشكالات أن هذه الملازمة لا يشهد بها المهاجرون والأنصار، ولو كان الأمر كذلك لشهدوا…”(23). ولقد قدمنا من قبل شهادة طلحة بن عبيد الله وهو مهاجري، فسقط ما ادعاه الكاتب. ثم قال الكاتب: “…كما لم نجد له – يعني لأبي هريرة – في الأحداث التي كانت عند وفاتهصلى الله عليه وسلموبعدها أي أثر…”(24) وهذا أقوى دليل على أن الكاتب مجازف في الذي يدعيه، إذ لو كان من أهل الاستقراء التام لأحاديث أبي هريرة، لأوقفه الاستقراء على حديث يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه : >اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”(25)، ولقد صح يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلمنطق بهذا الحديث في مرض موته، وذلك هو قول عائشة المخرج في صحيح البخاري بل وفي صحيح مسلم أيضا، قالت: “قال النبي صلى الله عليه وسلمفي مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(26).
هذه واحدة، وثانية نستحب للكاتب أن يعقلها، وذلك أن من الصحابة من لم ينبس البتة في وفاتهصلى الله عليه وسلمبحرف، كبعض أزواجهصلى الله عليه وسلم، وهن كن أحق بأن يروى عنهن في هذا الأمر العظيم شيء، أو يكون ذلك دليلا على نفي وجودهن؟
4- أبو هريرة وعائشة ]: ذكر المؤلف هنا قول عائشة لأبي هريرة:”إنك لتحدث عن النبيصلى الله عليه وسلمحديثا ما سمعته منه” وجواب أبي هريرة لها:”يا أمّهْ طَلَبْتُها وشغلك عنها المرآة والمُكْحُلة..”، ثم رأى في جواب أبي هريرة تعريضا بعائشة وسوء أدب معها(27). ونحن نقول: وأي تعريض هنا بعائشة وأي سوء أدب معها؟!! وأبو هريرة ناقل لواقع ربما أخبر عنه، أو بلغ إلى علمه، ولو كان فيما ذكره أدنى مغمز في عائشة، لكانت ] أسمعته ما يكره، وانظر إلى حسن جوابها في إقرارها لما ذكره أبو هريرة بقولها: “لعله”.
وأنت أيها القارئ الكريم، فلا يَسْتَخفَّنَّك ما فهمه الكاتب من قول أبي هريرة لعائشة، فهؤلاء خمسة أعلام من جِلَّةِ أهل العلم الذين ذكروا هذا الخبر وهم ابن سعد والحاكم وابن عساكر والذهبي وابن حجر – قد تتابعت أنظارهم عليه، فلم ينقل عن واحد منهم ما قد توهمه الكاتب!!.
ثم قال الكاتب: “…وإذا كان أبو هريرة معتكفا في المسجد، فإن حُجْرة عائشة لم يكن يفصلها عن المسجد إلا جدار كان أبو هريرة نفسه – عندما أصبح محدثا – يتكئ عليه ليُسْمِعَ عائشة ] حديثه الذي عبرت عن استنكارها له واستكثاره حيث كان يقول لها – حسب الرواية – أتنكرين من هذا شيئا؟”(28).
قلت: لو لم يكن في كتاب:”أكثر أبو هريرة” إلا هذا القول لتهافت الكتاب كله، ذلك أن المؤلف ههنا زل زلات نحصيها له: فأول ذلك: أنا مستيقن مستبصر أنه نقل هذا الخبر من “السير” للذهبي، لأنه يحيل عليه كثيرا، والذهبي هناك لم يسنده إلى كتاب، وإنما ذكره من حفظه، وهو يخالف الموجود في كتب الحديث كما ستعرف بعد قليل، وثانيا: وقع عند الذهبي قول أبي هريرة هكذا: “أتنكرين مما أقول شيئا”، بينما وقع عند الكاتب على الصفة التي أوقفناك عليها قبل، وثالثا: يوهم صنيع الكاتب أن عائشة تنكر على أبي هريرة بعض حديثه، وكلا بل إنها ] أنكرت عليه طريقة سرده للحديث على عَجَل، وذلك مستفاد من بقية الرواية التي تعمد الكاتب إسقاطها، لأنها تنقض عليه كتابه، إذ الخبر هكذا عند الذهبي:” وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة، فيحدث، ثم يقول: يا صاحبة الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئا؟ فلما قضت صلاتها، لم تنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلميسرد الحديث سردكم”(29).
والحديث في البخاري ومسلم، ولفظه عند البخاري عن عائشة أنها قالت: “ألا يعجبك – تخاطب عروة بن الزبير – أبو فلان – تعني أبا هريرة – جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلميسمعني ذلك، وكنت أُسَبِّح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلملم يكن يسرد الحديث كسردكم”(30).
قال ابن حجر:” قولها: ولو أدركته لرددت عليه” أي لأنكرت عليه وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد… واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث…”(31).
وعجب الكاتب من أن يكون أبو هريرة أكثر حديثاً من عائشة، واستغرب ذلك، وقال: “… وهي إنما كانت زوجه عليه السلام قبل الهجرة، وكانت فيمن هاجر، ومن ثم فهي ملازمته الأولى دون منازع؟”(32)، قلت: لو جارى لطيف منا منطق الكاتب لقال هنا: إن التصور الذي ينبني عليه قول الكاتب في عائشة، هو كون النبي صلى الله عليه وسلممهمته لزوم بيت عائشة، ينفرد بها النبي صلى الله عليه وسلمويحدثها بما لا يحدث به بقية نسوته وصحابته، ثم هو صلى الله عليه وسلملا يكاد يغادر بيتها لصلاة أو ما شابه ذلك، حتى يعود إليه، وهذا “لا يتناسب مع زمن الرسالة وشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وخصوصا في أواخر حياته وبعد مجيء النصر العظيم والفتح المبين وانتشار دعوته…”.
وهذا الذي قلناه لا نعتقد منه معناه، وإنما سخرنا به من “تحليل” و”نقد” الكاتب، وقد بهت بهما أبا هريرة كما مر آنفا.
ثم وازن الكاتب بين أحاديث عائشة وأبي هريرة وقال:” فعائشة ] تروى لنا كيفية حياته في يومه وليلته، وكيفية صلاته وقيامه وصيامه وطعامه وشرابه ونومه، ومرضه وعشرته وعلاقته بأزواجه… وأخلاقه وسلوكه… ورغم ورود مثل بعض هذه الأخبار عن أبي هريرة فهي قليلة، وهي تتسم بالإعجاز والعُجائبية..”(32). قلت: وفي بعض حديث عائشة الإعجاز والعجائبية أيضا، كقولها: “قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلمإن جبريل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام و رحمة الله، وقولها:”قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أرِيتُكِ في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امراتكَ، فأكشف عن وجهكٍ، فإذا أنتِ هي، فأقول: إنْ يَكُ هذا من عند الله يُمْضِهِ”. إن “الإعجاز” و “العجائبية” إذا كانتا صفتيْ قدح في الأخبار فليصرح بذلك الكاتب ولْيَسْتَعْلِنْ به، أما نحن فلقد آمنا بالله عز وجل وهو غيْب، وآمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو غيب – لأننا لم نره – أفلا نؤمن بعد ذلك بمثل ما قد ينقل إلينا من هذه الأخبار؟
5- حفظ أبي هريرة: ذكر الكاتب هنا جملة من الأحاديث التي فيها بسط ثوب أبي هريرة، ثم جمعه إلى صدره بعد انتهاء رسول الله صلى الله عليه وسلممن التحديث، ثم قال:”… والملاحظ أن هذا الحدث المعجزة، والذي تبين الروايات أنه كان في مجمع الصحابة وبحضورهم لم يَرْوِه إلا أبو هريرة عن نفسه… وإنه لا يعقل أن يحجم الصحابة عن بسط أرديتهم في موقف كهذا،… إن هذه المعجزة أكبر من أن ينساها الصحابة الذين حضروا… إن هؤلاء لا محالة سيندمون، لأنهم لم يبادروا كما بادر أبو هريرة فيدركوا ما أدرك؟..”(33) قلت: الكاتب هنا واثق من نفسه، مُعْتَدٌّ بها، ذاهب بها أيُّما مذهب في الاطمئنان إلى ما قرر و”حلل” و”نقد”، وهو – والله – مجرد ناقل لما افتراه الشيعي عبد الحسين شرف الدين في كتابه” أبو هريرة”، ونقل ذلك عنه أبو رية في “شيخ المضيرة أبو هريرة”(34). وسَلَفُ الجميع في ذلك كله جولد تسيهر فيما كتبه في مادة أبي هريرة من دائرة المعارف الإسلامية.
ووجه نقض ما ذكره الكاتب أن يقال: أولا: إن سبق أبي هريرة إلى بسط ثوبه – من شدة حرصه على حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- هو الذي منع بقية من حضر على الاقتداء بصنيعه، ولو بادر رجل منهم إلى ذلك بعد أبي هريرة، لكان الحال عندها مثل الحال في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وقد كان ذلك في محضر الصحابة، حيث قال عكاشة بن محصن: أمِنْهُمْ أنا يا رسول الله ؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: “أمنهم أنا؟ قال: “سبقك بهاعكاشة”.
ثانيا: يدل على هذا الذي قررناه ما أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث زيد بن ثابت قال:” كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلمفقال: ادعوا، فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة فقال:” اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي، وأسألك علما لا ينسى، فأمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا : ونحن كذلك يا رسول الله، فقال: سبقكما الغلام الدوسي”. وبهذا الحديث يسقط قول الكاتب:” وأما تخصيصه بمعجزة الحفظ، فتحتاج هي الأخرى إلى شهود، لا أن يشهد هو على نفسه في معرض اتهامه”(35) فهذا تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم : علىدعاء أبي هريرة بحفظ الحديث، والناقل لذلك زيدُ بن ثابت، والشاهد عليه من حضر من الصحابة.
وقول الكاتب تعليقا على حديث بسط الثوب:”… وعليه فإن الذين رفضوا إكثاره واشتكوا منه لن يعتبروا هذا الحديث إلا واحدا من غرائبه…”(36) كأنه سلخه من أبي رية الذي يقول:”… ولأن حديث “بسط الثوب” مهم في تاريخ أبي هريرة واختلفت رواياته، وهو في نفسه يعتبر خرافة أو من أهم غرائبه…”(37)؟
ولقد سخر الكاتب هنا من دعوى أبي هريرة انشغال المهاجرين والأنصار بأسواقهم وقال:”.. وانشغال المهاجرين والأنصار بأموالهم وتجارتهم لن يجعله أقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلممن ملازميه وأعوانه وخدامه…”(38). ونحن هنا سنتحفه بشهادة عمر – وهو لا شك يعرف من هو عمر، ويعرف شدته وسطوته في الحق- على نفسه بأنه ألهاه الصفق بالأسواق عن بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري بسنده إلى عبيد بنعمير قال: ” استأذن أبو موسى على عمر، فكأنه وجده مشغولا فرجع، فقال عمر:” ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له، فدعي له، فقال: “ما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنا كنا نؤمر بهذا قال: فائتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك، فانطلق إلى مجلس من الأنصار، فقالوا: “لا يشهد إلا أصاغرنا، فقام أبو سعيد الخذري فقال: ” قد كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: ” خفي علي هذا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ألهاني الصفق بالأسواق”(39). فهل بعد الحق إلا الضلال ا لمبين.
6- أبو هريرة وعبد الله بن عمر وبن العاص: ساق الكاتب هنا حديث أبي هريرة: “ما من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلمأكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب”، ثم خلص إلى القول بـ “أن واقع الرواية عند أبي هريرة يشهد بعكس ما تذهب إليه هذه الروايات من تغليب رواية عبد الله بن عمرو على رواية أبي هريرة…”(40) ثم ذكر أن مجموع أحاديث عبد الله ابن عمرو بن العاص يمثل %2.1 من مجموع الأحاديث حسب ترقيم العالمية، بينما تمثل أحاديث أبي هريرة %14.05 من مجموع الأحاديث في الكتب التسعة(40). قلت: وهذا الفهم غير جيد لأن صاحبه لم يراجع فيه ماذا قال أهل العلم لرفع إشكاله، وتلك عادة جرى عليها الكاتب في كتابه كله، كأنه لا يعتد بتلك الأقوال، ولا يحفل بتلك الأفهام، فوقتها قد ولى، وأصحابها قد درجوا، وليس من سبيل إلى “التجديد” و”التحليل” و”النقد” إلا بِتَنَكُّبِ طريقها والإعراض عنها!!.
ونسوق للكاتب قول ابن حجر في رفع ما الْتَبَسَ فهمُه عليه عساه يتلقاه بقَبول حسن، يقول الحافظ: قوله فإنه كان يكتب ولا أكتب”: هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند عبد الله بن عمرو أي ابن العاص على ما عنده، ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلممنه إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة، فإن قلنا الاستثناء منقطع فلا إشكال، إذ التقدير: لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني، سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا، وإن قلنا الاستثناء متصل، فالسبب فيه من جهات: أحدها أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فَقَلّت الرواية عنه، ثانيها: أنه كان أكثرُ مُقَامه بعد فتوح الأمصار بمصر، أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين، ولم يقع هذا لغيره، ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلمله بأن لا ينسى ما يحدثه به… رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها، ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين”(41).
7- شِبَعُ بطن أبي هريرة: أطال الكاتب النفس في “تحليل:” و”نقد” الروايات التي وقف عليها في شبع بطن أبي هريرة، بيد أنه غلط غلطا فاحشا في أمور نذكرها له، حتى يعلم أنه جنى على أبي هريرة جناية عظيمة، فمن ذلك: إنكاره للوجود التاريخي لأهل الصفة وفي ذلك يقول: “ومن هم أضياف الإسلام هؤلاء، الذين سموا بأهل الصفة؟ إننا لا نعرف عنهم شيئا إلا من روايات أبي هريرة، ما هي أسماؤهم؟ أو أسماء بعضهم غير أبي هريرة ؟ لماذا لا يتحدثون عن أنفسهم، ويقولون نحن أضياف الإسلام…”(42).
ومر الكاتب في هذا مطمئنا إليه!! أما من يذكر “أضياف الإسلام غير أبي هريرة، فعبد الرحمن بن أبي بكر مثلا، فإنه قال: إنهم أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم: قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس…(43) قال ابن حجر: “وقد اعتنى بجمع أسماء أهل الصفة أبو سعيد ابن الأعرابي وتبعه أبو عبد الرحمن السلمي، فزاد أسماء، وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحِلْيَة، فسرد جميع ذلك، ووقع في حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة أنهم كانوا سبعين، وليس المراد حصرهم في هذا العدد، وإنما هي عدة من كان موجودا حين القصة المذكورة، وإلا فمجموعهم أضعاف ذلك كما بينا من اختلاف أحوالهم”(44).
ومن ذلك: قول الكاتب: “إن الرسول صلى الله عليه وسلمحسب هذه الروايات – هو نفسه كان يعاني من الحاجة والفقر، فكان يرجع إلى بيته فلا يجد إلا وعاء اللبن المهدى إليه…”(45) كذا قال الكاتب غير وجل ولا خائف، وذلك القول منه يدل على قلة اطلاع على سيرة المصطفى ، فهذه عائشة ] – التي قال عنها الكاتب إنها ولدت على رؤية الإسلام- تقول: “ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّّ ثلاث ليال تباعا حتى قبضن”(46)، وقالت أيضا: “كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم”(46). والذي يفهم من سيرته صلى الله عليه وسلمأنه كان يختار أن يكون على حال التقلل مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا.
ومن ذلك: قوله ساخرا بأهل الصفة، قائلا لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق، ومنها العمل والإنفاق والمسارعة في الخيرات ونفع العباد، ولم آتكم لأجعلكم أوعية لنقل أخبار الحاضرين والسالفين دون أن يكون لذلك أي تأثير في حياتكم وسلوككم؟!!(47) قلت: ظني أن الكاتب يحسب أهل الصفة لا عناية للواحد منهم بغير ملء البطن، وسد الجوعة، وكلا فلو قال قائل إنهم إلى إشباع عقولهم وأرواحهم أقرب منهمإلى ما فهمه الكاتب لما أبعد، ففي رواية حديث أنس المخرج في البخاري عند أبي نعيم: “جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: أعندك شيء، فإني مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلموهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء…”(48).
ومن ذلك: قوله: “إن الجوع الذي يحكي عنه أبو هريرة كان عظيما، وأبو هريرة يلزم رسول الله على ملء بطنه…” قلت: أخشى أن يكون الكاتب يغمز أبا هريرة بأنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلممن أجل بطنه، لا يحمله على الملازمة إلا ذلك، ولا يبعثه عليها إلا الجوع والعطش، وأما الإسلام والتفقه فيه، والحديث وحمله وروايته فلا، ولقد أجاد الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى وأحسن وأفاد لما وقف عند قول أبي هريرة: “على ملء بطني” فقال: “… وقد فهمها العلماء الذين أنار الله بصائرهم، وطهر قلوبهم من الحقد على صحابة رسول اللهصلى الله عليه وسلمعلى حقيقتها دون ما فهمه “أبو رية”، قال الإمام النووي في شرح قول أبي هريرة: “على ملء بطني”: “أي ألازمه وأقنع بقوتي ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها، ولا أزيد على قوتي والمراد من حيث حصول القوت من الوجوه المباحة، وليس هو من الخدمة بالأجرة”، وقال الحافظ ابن حجر: “على ملء بطني”: أي مقتنعا بالقوت، أي فلم تكن له غيبة عنه”(49).
ومن ذلك قوله:”في أبي هريرة”: “..ويسأل الصحابة عن الآية من القرآن ما يريد إلا استطعامهم…”(50) وقوله أيضا:”…وإنما كان يجلس على طريقهم يستقرئهم من أجل أن يطعموه”(50). قلت: ظن الكاتب أن أبا هريرة كان يستقرئ الرجل الآية هي معه، كما جاء ذلك في الرواية التي نقلها من البخاري من كتاب المناقب، وهذا الفهم ليس بجيد، ذلك أن الحديث لا يفهم إلا بجمع رواياته وطرقه، وفي رواية الحديث التي في الحلية لأبي نعيم أن أبا هريرة وجد عمر فقال: “اقريني”. فظن أني أطلب منه القراءة، فأخذ يقرئه القرآن ولم يطعمه، قال: “وإنما أردت منه الطعام”، ولذلك قال ابن حجر:”قوله:”لأستقرئ الرجل” أي أطلب منه القرى، فيظن أني أطلب منه القراءة”(51) .
8- مع ابنة غزوان: ذكر الكاتب هنا جملة من الروايات التي تفيد أن أبا هريرة كان أجيرا عند ابنة غزوان وابن عفان، وأبَى عَلْيَه ” تحليله” و “نقده” أن يجمع بين هذا وبين ملازمة أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول: وهل في العقل ما يمنع من الجمع بين الأمرين؟ ولعل ذلك يكون قد وقع بعد الوفاة النبوية، والكاتب -هداه الله- ظن أنه بهذا مستكثر من الشبه عن أبي هريرة، ولا والله، بل إن فيما ذكرتَه أيها الكاتب -مَنْقُبَةٌ لأبي هريرة، أو ليس فيه أن أبا هريرة أحبَّ أن يسعى في تحصيل رزقه بعمل يده؟؟!وهو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” والذي نفسي بيده، لأنْ يأخذ أحدكم حبله، فيذهب إلى الجبل فيحتطب، ثم يأتي به يحمله على ظهره،فيبيعه فيأكل، خير له من أن يسأل الناس…”(52).
وأنت أنت – أيها الكاتب – ألست نَقِمْت من قبلُ على أهل الصفة مَسْكنتهم وذِلّتهم، وعدم أخذهم بمكارم الأخلاق ومنها السعي والعمل؟
9- صحبة أبي هريرة: هذا هو المقصد الأهم الذي سمت إليه همة الكاتب، وعليه أدار كتابه، ومن أجله مهد بتلك الشبهات التي توالت تَتْرى، ولقد استفتح الكاتب الكلام فيه بقوله:”درج الدارسون على اعتبار أبي هريرة صحابيا بناء على مجموعة من الروايات ا لتي يرويها أبو هريرة عن نفسه…”(53) قلت: لو قال درج” العلماء” لكان أحجى!! ثم مضى الكاتب في “تحليله” مبينا أنه سيسلك سبيل “التحقيق” في مسألة أصحيَّة صُحبة أبي هريرة.
وأنت إذا تأملت “تحقيق” الكاتب، ألفَيْته معتمدا على مصدر واحد ينقل منه، وهو “السير” للذهبي، بينما من لوازم التحقيق العلمي كثرة المصادر وتنوعها، ثم الموازنة والترجيح بين ما فيها، ثم الترفق والتدبر، وعدم البِدار إلى القطع والجزم، وإذا لم يكن من القطع بُدّ، فَلْيكِل المحقق العلم لله تعالى، ليبرأ من التقصير.
ولعل الكاتب يذهب في التحقيق مذهبا آخر لم ننشأ عليه ولا دُربنا فيه، وهو ذاك الذي نطقت به تلك البيانات الحسابية التي لو بعث إقليدس من قبره ما فهمها؟(54).
ولقد بنى الكاتب هذه البيانات الحسابية على قول أبي هريرة:” قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلمبخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات…”، ونسي أن في هذا الخبر الواقدي و هو ضعيف بل متفق على ضعفه(55).
وبناها على قول الواقدي في مقدار سن أبي هريرة يوم مات حيث قال: “وله ثمان وسبعون سنة”، و لقد علمت أن الواقدي ضعيف. والذي تحرر عندي في هذا الباب، عدم متابعة الواقدي في تعيين سن وفاة أبي هريرة، وعد ذلك وهما، والتمسك بالأصل الصحيح الذي عندنا(56)، من أن أبا هريرة أسلم زمن خيبر- وكانت سنة سبع في أرجح الأقوال- ولا نعبأ بعد ذلك أكان رضي الله عنه – توفي سنة ستين أو قبلها بقليل، والذي يعنينا إثبات صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، و هي حاصلة – بحمد الله – في المدة التي قضاها مع النبيصلى الله عليه وسلم، بل هي تثبت فيما دون الثلاث السنين بكثير.
ثم من البراهين الساطعة على صحبة أبي هريرة أننا لم نقف قط في كتب الذين ألفوا في طبقات الصحابة على من توقف في إثبات ذلك أو تردد فيه، مع أن أصحاب هذه الكتب دفعوا شرف الصحبة عمن ادعاها من الكذابين والدجالين الذين ظهروا بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلمبقرون كرَتَن الهندي.
وإذ قد عرفت هذا، تبدى لك تساقط كتاب المؤلف ورقة، ورقة، وانحلال عراه عروة عروة، وأول عروة تنقض عليه:
تدليس أبي هريرة: ولقد سبق الكاتب إلى إثارة هذه القضية أحمد أمين وأبو رية(57)، ولقد نقض ذلك على الأول منهم الدكتور مصطفى السباعي فكان مما قال: “…في إسناد أبي هريرة إلى الرسول ما لم يسمعه، فهذا لم ينفرد به أبو هريرة، بل شاركه فيه صغار الصحابة، ومن تأخر إسلامه، فعائشة وأنس والبراء وابن عباس وابن عمر، هؤلاء وأمثالهم أسندوا إلى الرسول ما سمعوه من صحابته عنه، وذلك لما ثبت عندهم من عدالة الصحابي وصدقه، فلم يكونوا يجدون حرجا ما في صنيعهم هذا… وقد قدمنا لك قول أنس ] عنه: “ما كل ما نحدثكم به عن رسول الله سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضا”(58).
وكأني بالكاتب لن يحفل بهذا البيان الناصع من ذالكم العلامة الدكتور الفاضل، لأنه سخر من قواعد أهل العلم التي فيها :”الصحابة عدول” و”تدليس الصحابة لا يضر”.. ولذلك لن نزيده في هذا السبيل أكثر – مما قلناه.
وثاني عروة تنقض عليه : إنكار عائشة على أبي هريرة : والكاتب طار بذلك فرحا، وهلل واستبشر، بيد أنه خفيت عليه أمور نذكره بها:
1- ما كان يقع من الصحابة من رد بعضهم على بعض لَهُوَ من المباحثة العلمية التي لا دخل للتكذيب والريبة فيها، وإنما ذلك كان يكون منهم، لاختلاف مراتبهم في سعة المرويات، ولتباين منازلهم في الفقه والاستنباط،
2- إنكار عائشة ] لم يكن خاصا بأبي هريرة، بل كان ذلك عاما بالنسبة للصحابة حتى الأعلام منهم، فهي ] استدركت على أبيها، وعلى عمر، وعلي وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخدري، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت وغيرهم، ممن حكى وقائع ذلك عنهم وعنها البدر الزركشي في “الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة”.
3- في رجوع أبي هريرة عن قوله:”من أدركه الفجر جنبا فلا صوم له”، منقبة له، وإلى ذلك أومأ ابن حجر لما قال:” وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه”(59). ولو أن أبا هريرة كان كذابا، لَلَجَّ في خطئه، ولأقسم بالأيْمَان المغلظة أن ما قاله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه ] لتصوُّنه وتحفظه وأمانته ذكر من أخبره بالخبر، وهو في رواية:”الفضل ابن عباس”.
4- فيما ساقه الكاتب من روايات تفيد رجوع أبي هريرة عن قوله إلى الحق الذي وضح وبان، وإحالته على من أخبره-فَوْتٌ، إذ في سنن النسائي قال أبو هريرة: “…فهي أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلممنا، إنما كان أسامة بن زيد حدثني بذلك”(60). وفيها أيضا قال أبو هريرة:”..إنما حدثني فلانٌ وفلان…”(61) وإذا تبين لك هذا، تهافت على الكاتب قوله – وهو يتساءل في حيرة وشك- :” لماذا أخفى أبو هريرة شيخه الفضل بن عباس، والذي توفي حسب الروايات في السنة الخامسة عشرة للهجرة، منذ خمس وعشرين سنة خلت…”(62) وقوله أيضا:”إن أسهل طريقة للتخلص من الأخطاء هي نسبتها إلى الآخرين وخصوصا الموتى منهم…”(63)، ذلك أن أسامة بن زيد- الذي وقع في رواية النسائي -قيل توفي سنة 54هـ وقيل سنة 58هـ أو سنة 59هـ، فيكون حيا في زمن حدوث الواقعة، أو مضى إلى ربه قبل أبي هريرة بيسير، وبذلك يصغر ما هول به الكاتب ويتساقط.
وأنت أيها القارئ فدع عنك ما في هذا الفصل -أو الجزء – من كتاب صاحبنا من الهنات الكتابية التي غضضنا الطرف عنها، وسترناها، عسى أن يسترنا الله في الدنيا والآخرة(64).
10- خروج أبي هريرة إلى الطور: وههنا نستمد من الله التأييد، ونسأله عز وجل التسديد، إذ الأمر خطير، ونحن متكلمون في الفن الذي تخصص فيه الكاتب، فنرجو أن لا يعد علينا الفلتة، وأن يقيلنا من العثرة. ذكر الكاتب هنا جملة من الروايات التي تفيد خروج أبي هريرة إلى الطور ثم علق عليها بقوله:” تتحدث هذه الروايات جميعا عن لقاء أبي هريرة بكعب الأحبار بالشام، وأن أبا هريرة هو الذي بادر بالخروج إليه ولقائه هنالك…”(65) قلت: أما اللقاء فنعم، وأما أن يكون أبو هريرة هو الذي بادر إلى الخروج ليحصل اللقاء، فلا، ففي تلك الروايات يقول أبو هريرة:”خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار” وفيها:”أتيت الطور فوجدت ثم كعبا…”، وفيها:”قدمت الشام فلقيت كعبا…” و”التقيت أنا وكعب…”. فهاهي ذي الروايات المفيدة لذلك الخروج مبسوطة للقراءة فلينظروا هل فيها مما فهمه الكاتب من شيء؟!!
ولقد جنى الكاتب هنا – بالظن والتخمين والتخيل – على أبي هريرة جناية عظيمة، وذلك لما رأى أن خروجه إلى الطور، كان “من أجل عرض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى كعب الأحبار ليصدقها بالتوراة”(66)، وهذا قول مرذول، وفهم مرغوب عنه، إذ كيف يصح في الأفهام أن يتنزل صحابي إلى درجة عرض ما تلقاه عاليا عن رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى تابعي، ليأخذ منه دليل صحة ما تحمله؟! ثم ليس في الحديث الذي فيه وقائع الخروج ما يسعف على الفهم الذي “تخيله” الكاتب، إذ فيه يقول أبو هريرة: “…فكان فيما حدثته أن قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..” فالمبادر بالتحديث أبو هريرة، والسامع المستفيد المتعلم: كعب الأحبار.
وقلد الكاتب أبارية(67) في ظنه أن أبا هريرة -كاد ينخدع لكعب الأحبار الذي سمع أبا هريرة يقول:”خير يوم طلعت فيه الشمس…فقال كعب: ذلك في كل سنة مرة…”(68) قلت: كيف حكم الكاتب على أبي هريرة بالانخداع لكعب وهو الذي أجابه من ساعته بقوله: “فقلت: بل هي في كل جمعة”؟ ألا إنه التعنت !!ألا إنه التحامل!! وانظر ماذا يفعل بصاحبه!!
11- لقاء أبي هريرة ببصرة بن أبي بصرة: ذكر الكاتب لقاء أبي هريرة ببصرة بن أبي بصرة، واستدل عليه بجملة أحاديث نذكر منها رواية مالك التي يقول فيها أبو هريرة:”فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول:” لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد، إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا،وإلى مسجد إلياء…”.
وللكاتب مجازفات -في هذا الجزء من الكتاب – نوقفه عليها: فمن ذلك :
1- قوله في بصرة بن أبي بصرة:”..بل إن المترجمين للرجال لم يزيدوا في ترجمته على ما ذكر في هذا الحديث من معلومات عنه؟”(69) ؛ كذا قال جازما، ونحن نقول له، وما الحيلة فيما قد قاله ابن حجر عند ترجمته:”له ولأبيه صحبة، معدود فيمن نزل مصر”(70)، وقال في التهذيب:”واختلف في أبي بصرة(71) فقيل جميل بالجيم، وقيل حميل بالمهملة مصغر، وهو المشهور، وحضر بصرة فتح مصر، واختط بها دارا عند دار ابن الزبير”(72) أكل ذلك موجود في الحديث كما تقول؟
2- قوله:”والملاحظ تبعا للرواية – أن بصرة بن أبي بصرة الذي لا يعرفه أحد كان عالما بالحديث أكثر من أبي هريرة..”(73) قلت: في هذا غمز لأبي هريرة، ومتى زعم صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قد أحاط بالسنن كلها حتى لا يخفى عليه من ذلك شيء؟
3- كأن الكاتب ينفي عن بصرة بن أبي بصرة الصحبة، بينما الرجل قد ترجمه ابن حجر في الإصابة وقال:”له ولأبيه صحبة” على ما مر قريبا، وقال في التقريب :” بصرة بن أبي بصرة الغفاري، صحابي ابن صحابي”(74). وقال الذهبي في الكاشف:”…صحابي كأبيه”(75).
4- قوله:”إن بصرة بن أبي بصرة الذي ذكرته رواية كل من مالك والنسائي، سيتحول عند الإمام أحمد إلى أبي بصرة بدل بصرة بن أبي بصرة…”(76).يريد الكاتب المسكين أن يخدع القارئ، ليوحي إليه أن أبا هريرة قد اضطرب في حديثه هذا، فمرة يقول: “بصرة بن أبي بصرة، ومرة يقول: “أبا بصرة”، فهو كذاب !!
ونحن نقول للكاتب: حسبك، فلقد قال ابن حجر لك ولأمثالك :”بصرة بن أبي بصرة الغفاري، صحابي ابن صحابي، والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة”(77).
5-وإذا شددت على الذي قررناه من أن بصرة ابن أبي بصرة، وأباه صحابيان – يَدَيْكَ، صح لمسلم أن يقول: “عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد”.
6- لا يذهبن عن القارئ الكريم – وقد أضله الكاتب – أن حديث: “لا تشد الرحال” صحيح من حديث أبي هريرة، و أبي سعيد الخدري كما وقع ذلك في الصحيحين.
12- أحاديث أم إسرائيليات؟ تحت هذا العنوان الغريب الذي تشمئز منه نفوس الخُلَّص من المؤمنين – ساق الكاتب الحديث المعروف في فضل يوم الجمعة الذي فيه: “خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط من الجنة… وفيه تقوم الساعة… وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه”.
ولنا وقفات معه فيما ذكره بعد:
1- دعوى الكاتب أن جزءا من حديث كعب، دخل في حديث أبي هريرة، فأصبح الجميع حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم(78) فيها نظر قوي، وذلك من حيث أن ذلك إنما وقع عند أحمد حَسْبُ، وأما في باقي الروايات الأخرى عند مالك والنسائي وأبي داود، فالحديث مُسَاقٌ من لفظ أبي هريرة.
2- دَنْدَنُ الكاتب حول عبد الله بن سلام، فقال: “إن عبد الله بن سلام الإسرائيلي الذي تقول الروايات أنه قد أسلم…”(79)، وكأن إسلامه عنده فيه نظر، وهذه فِرْيَةٌ بلا مِرْية، كيف والرجل قيل أسلم أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلمالمدينة، وقيل: تأخر إسلامه إلى سنة ثمان، وأيا ذلك كان، فهو ] أسلم فحسن إسلامه، وفي البخاري في المناقب عن سعد بن أبي وقاص قال: “ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلميقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام”(80). هذه هي صفحة هذا الرجل المشرقة التي ذهب الكاتب يشوه محاسنها بقوله : “وإن عبد الله بن سلام – حسب الرواية – قد أثار وصفه لوقت الساعة إشكالا لدى أبي هريرة قبل أن يستشهد عليه بحديث انتظار الصلاة. أو لم تكن هذه المناقشة مناورة إسرائيلية لتحديد وقت ساعة الاستجابة وفق المفهوم الإسرائيلي؟..”(81).
3- عاد الكاتب – سامحه الله – إلى بصرة بن أبي بصرة كرة أخرى، فغمزه بقوله:”وماذا عن بصرة بن أبي بصرة، أو ليست هذه كذلك مناورة إسرائيلية ثالثة لتبرير خروج أبي هريرة إلى الطور؟…”(81) كأن بصرة بن أبي بصرة عنده يهودي؟ ونحن هنا نقول له: إن الذين ترجموا لبصرة هذا، قالوا في نسبه:”بصرة بن أبي بصرة جميل بن بصرة بن وقاص بن غفار الغفاري” فهل في اليهود وقاص، وغفار، وغفاري؟
4- لم يتجاسر الكاتب على التصريح بأن حديث: “إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل الله خيرا إلا أتاه إياه…” من افتراء أبي هريرة، بيد أنه كاد يفعل ذلك، من إشارته وإيمائه كقوله عن أبي هريرة وروايته لهذا الحديث:” وعرض هذا الحديث على عبد الله بن سلام فبين له ساعة الاستجابة في هذا اليوم انطلاقا من التوراة…”(82). وأظهَرُ ما قد يُجاب به، أن يُقال له : لقد حدث أبو هريرة بهذا الحديث، وليس فيه عبد الله بن سلام ولا غيره، وصرح بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلموذلك عندما قال:”سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلموهو على المنبر يقول: إن في الجمعة ساعة – وأشار بكفه كأنه يقللها، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه”(83) ثم هذا الحديث روي من طريق أبي سعيد الخدري في مسند أحمد(84)، وجاء أبو سلمة يسأل أبا سعيد- بعد وفاة أبي هريرة – عن الساعة المذكورة في الحديث فقال:” يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فهل عندك منها علم؟ فقال سألت النبي صلى الله عليه وسلمعنها فقال:” إني كنت قد أعلمتها ثم ُأُنْسِيتها، كما أُنْسِيت ليلة القدر”(85).
وروي حديث الساعة التي في الجمعة من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، أخرجه الترمذي وفيه ضعف(86).
ثم وقفت بعد على ما يفيد أن الكاتب أعلن رأيه في حديث “ساعة الاستجابة” وذلك عندما قال:”…وهو ما يفيد أن أبا هريرة لم يأخذ هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إنما أخذه من عبد الله بن سلام بعد مجيئه من رحلة الطور التي كانت بعد العهد النبوي وزمن كعب الأحبار”(87). ولقد تعقَّبْنَاه من قبل على ذلك، فلينظر كيف يكون التخلص؟
5-وأنت أيها القارئ فشُدّض بيديك، وعضَّ بنواجذك على حديث: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة” فإنه في صحيح مسلم(88) وغيره، ودعك من تخاليط الكاتب وعرضه هذا الحديث الصحيح على التوراة، ووقوفه فيها على ما يوافقه(89)؛ وذلك هو دليل بطلانه عنده؟! ولقد – والله – نسي الكاتب هنا؛ ما قد نقمه من قبل على أبي هريرة، وزعمه أنه عرض بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى كعب الأحبار وعبد الله بن سلام !! فيقال له: وأنت ماذاتفعل الآن، ألست تقتدي بأبي هريرة وقد عظمت جنايتك عليه؟!! أما نحن فنقول: ومعاذ الله أن يكون أبو هريرة يصنع صنيعك.
ثم لا تعبأ أيها القارئ بعرض الكاتب حديث:”خير يوم طلعت فيه الشمس…” على الإنجيل، ووقوفه فيه على ما يخالفه وذلك هو دليل بطلانه عنده؟ ومن أعجب أحوال الكاتب عندي، حاله هنا: فمرة يعرض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التوراة، فإن هو وافقها أبَى قَبُوله، ومرة يعرض حديث سول الله صلى الله عليه وسلم على الإنجيل، فإن هو خالفه رفضه؟ فهل للكاتب قاعدة يجري عليها؟ وهل في قاعدته اطِّرَادٌ لا ينخرِم؟
وأما تهويل الكاتب بأن ما ورد في الحديث من خلق آدم وقيام الساعة، و أن ذلك يخالف صريح القرآن الكريم، فيكفي في الجواب عنه أن يقال: إن صاحب الشريعة، المنزل عليه القرآن لم يفهم – بأبي هو وأمي – هذا الفهم البديع، فكان صلى الله عليه وسلم- كما في مسلم وغيره – يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي ألم تنزيل السجدة و”هل أتى على الإنسان”(90). قال شيخ الإسلام ابن تيمة في بيان النكتة في ذلك:”إنما كان النبي صلى الله عليه وسلميقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون”(91) فانظر – سلمك الله – كيف يكون الفهم عن الله ورسوله.
ولقد اشتد علينا قول الكاتب قبيل تمام كتابه:”…ولعل هذا الوجود لمثل هذه الأخبار ليطرح على مصداقية هذه الكتب، ونقلها للإسلام الحنيف شكوكا كثيرة… كما يطرح على المنهجية المعتمدة في علوم الحديث وقواعده، ورجالاته وتصحيحه وتضعيفه، وتعديله وتجريحه، ومصطلحاته أسئلة عميقة، تدفع الباحثين إلى إعادة قراءة هذه العلوم بمنهجية جديدة، تتجاوز ما هي عليه الآن”(92).
قلت: لقد خرج علينا الكاتب برأي ينسف به كتب الحديث نسفا، ويهدم به طريقة أصحاب هذه الكتب في التصحيح والتضعيف، والتعديل والتجريح، وعلماء هذا الشأن قد أفنوا الأعمار، وأذهبوا المهج في التقعيد والتأصيل، وأحفوا في ذلك الأقلام، وبلغوا فيه مبلغا عظيما دهش له المنصفون من نبهاء الغرب في هذا العصر، فجاء الكاتب يكتب- وهو آمن مستريح- يزعم أن لا حاجة بنا إلى تلك الكتب ولا إلى منهج أصحابها فيها، وينادي بالصوت المسموع – زعم – إلى “إصلاح” حال هذه الكتب و”تجديد” منهج أربابها فيها!!
ونحن نقول له:هب أن هذه الكتب على الوصف الذي ذكرت، فهل يكون “التجديد:” بمنهجك الذي جريت عليه في كتابك، ومن قواعده “البديعة”؟
1- الصحابة أصحاب الألوف لا يقبلون؟
2- الصحابة ليسوا عدولا!!
3- من اختلف في اسمه من الصحابة توقفنا في حاله!!
4- إذا كان الحديث مشتملا على الإعجاز والعجائبية توقفنا في قبوله!!
5- “التحليل” و “النقد” سبيل كل من أراد التصحيح والتضعيف!!
6- إذا خولف الصحابي في حديث يرويه، وقيل له أكثرت سقطت عدالته!!
7- عرض صحيح الأخبار على التوراة والإنجيل، للنظر في ثبوتها!!
ولعمر الله إن هذه القواعد، لقواعد الهوس، وليست قواعد “التجديد”!! ولو أننا فتحنا علينا هذا الباب، لما درى الجاهل بالدين فينا، كيف يصلي، ويصوم، ويزكي ويحج، ويتزوج، وينشئ أجيالا تذكر الله،… فكل ذلك مشروح ومبسوط في الحديث.
ولو أننا فتحنا علينا هذا الباب، لَغُلِّقَتْ معاهدُ ومؤسسات، فيها للحديث ذِكْرٌ، ولأهله صَوْلاَتٌ وَجَوْلاَتٌ، ولسقطت ألقابٌ وشهادات، وأوَّلُ شيء يسقط من ذلك، لشَهَادَةُ الدكتور صاحب الكتاب، إذ يستحيلُ في العقل أن لا يكون قد ألَمَّ -في أيام طلبه – بأحاديث أبي هريرة فحفِظَها وسُئل عنها ، وأجاب فأحْسن في الجواب، ثم رَقِيَ واعْتلى فصار الدكتور فلان…
وبعد: فهذه التعقُّبات نصيحة للكاتب قد أخلصتُها، وعظةٌ له قد مَحَضْتُها، فإن قبِلها فذاك فضْلٌ من الله، وإن أعرض عنها يقال له:”أكْثَرَ مصطفى بوهندي”!!
د. محمد بن زين العابدين رُستم
————
1-انظر ص: 92 من كتابه. // 2 -المصدر السابق.
3 -يقال فلان يطنز بالناس: يسخر منهم وانظر أساس البلاغة ص: 397.
4 -انظر: أكثر أبو هريرة ص: 13 و 14 و 17 و 40.
5 -انظر ص: 48 و 60 و 61 من كتابه.
6 -دائرة المعارف الإسلامية.
7 -أضواء على السنة المحمدية ص: 195 وشيخ المضيرة ص:43.
8 -الإصابة 7/352. // 9- أكثر أبو هريرة.
10 -دائرة المعارف الإسلامية وفجر الإسلام ص: 269.
11 -أكثر أبو هريرة ص: 5. // 12 -المصدر السابق ص: 6.
13 -البخاري كتاب البيوع حديث 2047.
14 -أكثر أبو هريرة ص: 8.
15 -شرح ابن بطال لصحيح البخاري 1/195.
16 -البداية والنهاية، 8/110.
17 -المصدر السابق. // 18 -أكثر أبو هريرة ص: 11.
19 -أخرجه الترمذي برقم 3926 وروى نحوه البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك.
20 -أخرجه الترمذي حديث رقم 3836 وحسنه.
21 -سير أعلام النبلاء 2/604. // 22 -أكثر أبو هريرة س: 13.
23 -المصدر السابق، ص: 16. // 24 -المصدر السابق ص: 17.
25 -أخرجه أحمد في المسند 7/173 وقال الشيح أحمد محمد شاكر: “إسناده صحيح”.
26 -البخاري حديث 4441 ومسلم في مختصر القرطبي له برقم 422.
27 -أكثر أبو هريرة ص: 19. // 28 -المصدر السابق.
29 -سير أعلام النبلاء ، 2/607. // 30 -البخاري حديث رقم 3568.
31 -الفتح 6/578-579. // 32 -أكثر أبو هريرة ص: 21.
33 -أكثر أبو هريرة ص: 27.
34 -انظر للتأكد والتثبت “شيخ المصيرة أبو هريرة”، ص: 214.
35 -أكثر أبو هريرة ص: 28 // 36 -أكثر أبو هريرة ص: 27
37 -انظر شيخ المضيرة ص: 212. // 38 -أكثر أبو هريرة ص: 28
39 -أخرجه البخاري برقم 7353. // 40 -أكثر أبو هريرة ص: 31.
41 -الفتح 1/207. // 42 -أكثر أبو هريرة ص: 37.
43 -أخرجه البخاري في المناقب برقم 3581.
44 -الفتح 11/287 // 45 -أكثر أبو هريرة ص: 39
46 -انظر حديث رقم 6454 وحديث رقم 6458 من البخاري.
47 -أكثر أبو هريرة ص: 38. // 48 -الفتح 6/589.
49 -السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص: 330.
50 -أكثر أبو هريرة ص: 36، و ص: 39. // 51 -الفتح 7/76.
52 -أخرجه أحمد في مسنده برقم 7482 وقال الشيخ شاكر: “إسناده صحيح”.
53 -أكثر أبو هريرة ص:45. // 54 -أكثر أبو هريرة، ص: 47.
55 -قال الذهبي في الميزان 3/666:” واستقر الإجماع على وهن الواقدي”.
56 -لأنه صح في البخاري، انظر حديث رقم 4203.
57 -أضواء على السنة المحمدية ص: 202 وفجر الإسلام ص: 269.
58 - السنة ومكانتها في الشريع الإسلامي، ص: 306.
59 -أكثر أبو هريرة، ص: 49 و 50.
60 -الفتح 4/147. // 61 -السنن الكبرى للنسائي حديث رقم 2931.
62 -السنن الكبرى للنسائي حديث رقم 2932.
63 -أكثر أبو هريرة ص: 57. // 64 -أكثر أبو هريرة، ص: 58.
65 -بيد أننا نرشد إليها على سبيل التلويح،ونجانب التصريح رجاء الستر، الخطأ الأول في ص: 49 في الفقرة ا لثانية، والخطأ الثاني، في ص: 60 في الفقرة الأولى.
66 -أكثر أبو هريرة ص: 63. /// 67 – أكثر أبو هريرة ص: 67.
68 -شيخ المضيرة ص: 91 و 92. // 69 -أكثر أبو هريرة ص: 67.
70 -أكثر أبو هريرة ص: 69. // 71 -الإصابة 1/449.
72 -هذا أبو صاحبنا بصرة، ولست أخلط بينهما فتنبه.
73 -تهذيب التهذيب 1/297-298. // 74 -أكثر أبو هريرة ص: 69.
75 -التقريب ص: 156 . // 76 -الكاشف 1/272.
77 -أكثر أبو هريرة ص: 70. // 78 -التقريب، ص: 156.
79 -أكثر أبو هريرة ص: 79. // 80 -أكثر أبو هريرة: ص: 84.
81 -البخاري حديث رقم 3812. // 82 -أكثر أبو هريرة ص: 84.
83 -أكثر أبو هريرة ص: 83 // 84 -مسند أحمد حديث رقم 7756.
85 -حديث رقم 7674. // 86 -حديث رقم 11567 من مسند أحمد.
87 -الترمذي حديث رقم 488. // 88 -أكثر أبو هريرة ص: 85.
89 -صحيح مسلم حديث رقم 720. // 90 -أكثر أبو هريرة ص: 88.
91 -أخرجه مسلم برقم 879. // 92 -زاد المعاد، 1/375.
93 -أكثر أبو هريرة ص: 92.
لم يدر بخلدي قط في يوم من الأيام، أنني سأقف موقف الناقد المتعقب لكتاب صديق قديم جمعتني به نوع مخالطة أيام الطلب والأخذ، بيد أن قضاء الله جرى بأن يقع في يدي كتاب: “أكثر أبو هريرة” لذاك الصديق، فما هو إلا أن مررت عليه قراءة، حتى بعثني ذلك على كتابة هذه التعقبات، لجملة أسباب، أجلّيها للكاتب على هذا النحو:
أولا: ظهر كتاب الصديق القديم، وإن فينا مع فريق المؤمنين المهتدين فريقَ المرجفين الضالين، ومع أهل الحق واليقين عصابةَ المنهزمين المتشككين، الذين رأستهم “تلك” بما نشرت من مقالات، وكتبت من اعتراضات، أسقطت فيها – زعمت- رؤوسا وهامات ، وأعلنت فيها من شأن العقل وسلطانه، ونالت فيها من قوى التقليد وأعوانه… فكنا نود أن لو أخر الكاتب إخراج باكورة عمله، وثمرة بحثه واجتهاده إلى حين ذهاب هذه الفتنة، ورفع تلك الغمة…
ثانيا: أحدث كتاب الصديق القديم بلبلة عظيمة، وضجة وفتنة، فأهل الخير والإيمان فيهم من غلبته الحمية الإيمانية، والغيرة الدينية، فذهب بعضهم يقبّح ويجرّح، ويفسّق ويكفّر، بعثهم على ذلك الإيمان ومحبة الصحابة، وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما أهل الشر والضلالة، والمرجفون والمتخرِّصون، فانتهزوها فرصة للتشهير بالطائفة الأولى، فقالوا: هذا حجْر على فكر، ووصاية على رأي، ووأد لنظر، ولعمر الله إنه إقطاع!! وتا لله إنه لجمود!!.
وما حملهم على ذلك حب للكاتب، ولكنها فرصة سنحت، فقالوا: لعلها تصيب مقاتل الخصوم، وتقصم ظهورهم، فيذهبوا وتذهب ريحهم، ولكن هيهات!!.
ثالثا: رغبتنا في أن يفيء الكاتب إلى الحق إذا لاح له وبان، ووالله لأوبته إليه خير لنا من التمادي في الباطل، ولرجوعه إلى ما كنا نعرفه به من التعظيم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه خير لنا من إعراضه عن ذلك كله.
رابعا: جناية الكاتب على أبي هريرة، وتعدّيه على قواعد أهل الحديث التي أفنوا في تقعيدها أعمارهم، وحَفِيَتْ في الاستدلال عليها وتطبيقها أقلامهم، فجاء الكاتب -هداه الله- يكتب بضع كلمات(1) وهو مستريح مطمئن، يهدم تلك القواعد، وينسف تلك الضوابط، ويا ليته إذ هدم بنى، وإذ افترى اكتفى، بل إنه دس الشكوك ومضى، وبث الشبه وجزم بها.
خامسا: الخشية من اغترار الطلبة المبتدئين القارئين للكتاب، بما قد حشاه به المؤلف من شبهات وافتراءات، قد تروج على الغِرّ الذي ينخدع لمرآها وعرضها وسياقها، ويُسر بها المعاند الجاحد، فيطير بها ذات اليمين وذات الشمال يقول: ها هو ذا البيان الشافي، والدليل المفحم الكافي، وما درى المسكين أنها في أولها شبهة، وفي آخرها شبهة، وأنها زبد من القول {فأما الزبد، فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض}(سورة الرعد).
وقبل أن نخوض في رد الشبهة بالدليل الناصع، ومقارعة الفرية بالحجة الواضحة، نستحب لقارئ كتاب “أكثر أبو هريرة”، أن يلم بجملة أمور تَعِنُّ له إن هو أطال النظر فيه، فمن ذلك:
1- كتاب الصديق القديم، لا يجري على سنَن أهل العلم في كتابة البحوث والدراسات العلمية، من وضع مقدمة للكتاب المؤلِّـف، يبين فيها صاحب الكتاب منزلة بحثه، وفائدته وعائدتَه على البحث العلمي المعاصر، ثم يشرح فيها طريقة التأليف، والباعث عليه… وأما صاحبنا فشرع في كتابه، بذكر العنوان، والتنصيص على أنه من تأليفه، ثم أحال على الحاشية، حيث أعلن الحرب على أبي هريرة من أول صفحة، فذكر أنه أكثر الصحابة تحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه اختلف في اسمه على أقوال جمة، وتلك أول شبهة، ومر في هذا السبيل ناقلا نصوصا من “سير أعلام النبلاء”…
2- لما كان كتاب:”أكثر أبي هريرة” كتاب شُبَهٍ وأَرَاجِيفَ، فإن مؤلفه بناه عليها، فجعل الشبهة عنوانا على كل فقرة من فقرات الكتاب، وقدم قبل الترويج لها دليلها – زعم – من كتب الحديث.
3- لا ينتقي المؤلف أدلة الشبهات التي يروج لها عن أبي هريرة إلا من الكتب الصحاح كالبخاري ومسلم وموطأ مالك، أو مِنْ أنْزَلِها رتبةً كالسنن الأربعة، وسنن الدارمي ومسند الإمام أحمد، وقد يتنزل المؤلف إلى ما عداها كطبقات ابن سعد، وحلية أبي نعيم، والسِّيَر للذهبي، والإصابة لابن حجر، وقد يبدو هذا الصنيع- لأول وهلة – محمودا من المؤلف، بيد أن فيه تنقيصا من شأن هذه الكتب، وغضا من منزلتها، لا سيما ما قد صح منها، كالصحيحين وموطأ مالك، والمؤلف لم يتجاسر على الجهر برأيه في هذه الكتب الثلاثة على وجه الخصوص، لا في أوائل الكتاب، ولا في ثناياه، إلى أن عِيلَ صبره قبيل أواخره، فقال – هداه الله – في لوعة كأنها نفثة مصدور: “…وفي كل الحالات، فإن كتب السنن توجد فيها أحاديث مرفوعة وموقوفة، وهو ما يوهم بأنها جزء من الدين الإسلامي وهو منها براء؟ ولعل هذا الوجود لمثل هذه الأخبار ليطرح على مصداقية هذه الكتب ونقلها للإسلام الحنيف شكوكا كثيرة…”(2).
4- الشبهات التي بثها المؤلف في كتابه وساقها مساق الحجج والأدلة، ليست من اختراعه، بل هي شبهات قديمة راجت مع الفرق الكلامية، وتلقفها عنهم المستشرقون الحاقدون في هذا العصر، وافتتنت بها نابتة في المشرق الإسلامي كأحمد أمين في “فجر الإسلام”، وأبي رية في كتابيه:” أضواء على السنة المحمدية” و”شيخ المضيرة أبو هريرة”، وليس للمؤلف إلا هذا العرض الجديد، القائم على ذكر أدلة الشبهة أولا، ثم التعليق على ذلك بأسلوب زعم المؤلف – كما هو ظاهر من غلاف الكتاب – أنه “تحليل”.
وأنت أيها القارئ، فلا يغرنَّك هذا “التحليل”، فإن ظاهره كذلك، بيد أنه أشبه شيء بالخواطر التي قد يجنح بها الخيال بعيدا عن الحقيقة.
5- وأنا ما رأيت كتابا تكثر فيه الأسئلة كما رأيت من أمرها في كتاب “أكثر أبو هريرة”، ولعمر الله إنه سبيل المتشكك في يقين واقع، يدفعه من هنا وهناك، حتى إذا أحاط به من كل جهة، انهال عليه بالأسئلة.
ولقد جرى المؤلف على التلطف في العبارة، بيد أنه لم يخل كتابه من السخرية والطّنْز(3) بأبي هريرة(4)؛ كما أن المؤلف لم يتجاسر على التصريح برأيه في أبي هريرة، إلا حينما يشتد عليه الكرب، وتطوقه الشبهة من كل جانب، فلا يملك لها دفعا فيصرح(5).
وإذ بلغ بنا الكلام إلى هذا الموضع، فلنبدأ في حكاية مطاعن المؤلف في أبي هريرة مع نقضها، والاعتراض عليها :
1- الاختلاف في اسم أبي هريرة: لم يعرج المؤلف على هذه الشبهة، وذكرها في حاشية الصفحة الأولى من كتابه، حتى يقال: ما أكثر أدلته وحججه!!، وهل هو إلا جامع يحشد كل شبهة، ويردد كل فرية، وهذه الشبهة سبقه إليها جولد تسيهر فيما كتبه عن أبي هريرة في دائرة المعارف الإسلامية(6)، ورددها أبو رية في كتابيه اللذين مرا آنفا(7). ومن أقوى الأجوبة عن هذه الشبهة:
أ-الاختلاف في اسم الرجل، و اسم أبيه ليس يوجب إنكار وجوده التاريخي، وهناك صحابة قد اختلف في أسمائهم اختلافا كثيرا، ولم يقل أحد إنهم ما وجدوا، وأبو هريرة ] إنما اشتهر بكنيته، حتى غطى ذلك على اسمه الأصلي، فنسي.
ب- ما قيل من أن الاختلاف في اسم أبي هريرة وأبيه بلغ إلى ثلاثين أو أربعين قولا، لا يصح ، ولذلك قال ابن حجر بعد ذكر بعض هذه الأسماء المروية:”… مع أن بعضها وقع فيه تصحيف أو تحريف، مثل بر وبرير، ويزيد، وكذا سكن وسُكين…” إلى أن قال: “فعند التأمل لا تبلغ الأقوال عشرة خالصة، ومرجعها من جهة صحة النقل إلى ثلاثة: عمير، وعبد الله، وعبد الرحمن”(8). فانحصر الخلاف في ثلاثة أسماء، وبذلك يهون الخطب، ويسقط ما يتشبث به المرجفون.
2- طبيعة أحاديث أبي هريرة: جزم الكاتب بأن الغالب على رواية أبي هريرة “طابع القصص وأخبار الأمم السالفة”(9)، وهذا الذي قطع به الكاتب – وإن كان فيه نصيب من الصحة، ففيه نوع غلو وتجريح: فأما وجه غلوه، فذلك أن أبا هريرة حمل عن النبي صلى الله عليه وسلمالكثير الطيب من الأحكام والآداب التي فيها مشهور الحديث كقوله صلى الله عليه وسلم:” إذا رأيتم الهلال فصوموا”، و”حُفَّت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره” و”الدين النصيحة..” و “ليس منا من غش” و”لا يَبِعْ حاضرٌ لباد” و”لا يُمْنَعْ فضلُ الماء، ليُمعَنع به الكَلأ”، و”إياكم والظن…” و”كل مولود يولد على الفطرة” و”المسلم أخو المسلم..” و “من سئل عن علم فكتمه..” و “دخلت امرأة النار في هرة…”، و”لا تحاسدوا ولا تناجشوا”، و”كل عمل ابن آدم له إلا الصيام…”، و”ما زال جبريل يوصيني بالجار…”، إلى غير ذلك مما لا يَنْعَدُّ كثرة.
وأما وجه التجريح الذي فيه، فذلك ما أفهمته عبارة الكاتب من أن أبا هريرة قاصٌّ من الطراز الأول، يحمل عن أهل الكتاب، وذلك الذي سيقرره الكاتب بعد حين، ولنا معه فيه وقفة تأتي في الموضع الذي هو أمْلَكُ بها.
3- إكثار أبي هريرة من التحديث والاعتذار عن ذلك: لما كان رأي الكاتب في أبي هريرة فاسدا، ذهب يؤول كل خبر صح عن أبي هريرة في الاعتذار عن إكثاره من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا راج تأويله لتلك الأخبار على القراء، وانخدعوا لذلك “النقد” و”التحليل” تم للكاتب ما أراد. ولكن هيهات!!.
وما قد صنعه الكاتب هنا هو الذي صنعه من قبله جولد تسيهر وأحمد أمين(10)، فهل هو من توارد الأفكار، أم من نقل الآخر عن الأول؟!.
أ- مبادرة أبي هريرة إلى تبرئة ساحته: رأى الكاتب في مبادرة أبي هريرة إلى تبرئة ساحته في مثل قوله:”يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد”-إثباتا لوجود الكلام فيه، إبان عصر الصحابة، وذلك دعاه إلى الرد على معاصريه، والدفع في صدورهم(11).
ونحن نقول: وماذا في ذلك؟ وهل ذلك إلا منقبة لأبي هريرة، إذ لو كان كذابا – وحاشاه من ذلك – لسكت، ولما واجه الناس بأنهم يقولون أكثر من التحديث.
ب-ذكر أبي هريرة للأنصار والمهاجرين: فسر المؤلف ذكر أبي هريرة للأنصار والمهاجرين في قوله: “وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلمبمثل حديث أبي هريرة”-تفسيرا عجيبا إذ قال:”إن أبا هريرة كان على علم بما في أحاديثه، من الاختلاف عن أحاديث غيره من الصحابة الآخرين، مهاجرين وأنصارا فهم لا يحدثون مثل حديثه، ولا يكثرون مثل إكثاره وهو ما دعاه إلى الرد على الناس…”(12). قلت: وهذا من فطنة أبي هريرة وحسن تصرفه، إذ المهاجرون والأنصار سبقوه إلى الإسلام، وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يفضلهم هو بكثرة مروياته؟ ولقد أجاب ] عن ذلك لما قال:” إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم…”، والمؤلف فصل القول الأول المنقول عن أبي هريرة، عن هذا القول الأخير، بينما وقع ذلك في سياق واحد، عند البخاري في كتاب البيوع(13)، (وهذه آفة الكاتب – هداه الله- ينتزع بعض الخبر من سياقه، حتى يفهم منه معنى معين، ولولا الانتزاع والفصل لما أفهم ذلك المعنى)!!.
ت-اعتذار أبي هريرة بعدم كتمان العلم: ذكر المؤلف ههنا قول أبي هريرة: “… ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى” إلى قوله: الرحيم}(سورة البقرة)، ثم قال:”…وهو بذلك يجعل الأخبار التي يبثها في الناس من البينات… ولذلك فلا يجوز كتمانها، وهي روايات تخالف ما رواه أبو هريرة نفسه عن الأكياس، والأوعية التي كتم ما فيها خوفا من أن يقطع هذا البلعوم”، فهل يخشى أبو هريرة الله أم الناس؟”(14)، وهذا الذي ذكره الكاتب رأي “بعيد”، ونظر غير سديد، ذلك أن من أهل العلم من وفق بين الذي ذكره أبو هريرة من خوفه كتمان العلم، وبين قوله: “حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم”، يعني أنها كانت أحاديث الساعة، وما عرَّف به عليه السلام من فساد الدين، وتغير الأحوال، والتضييع لحقوق الله تعالى كقوله عليه السلام : >يكون فساد هذا الدين على يدي أُغَيْلِمة سفهاء من قريش<وكان أبو هريرة يقول: “لو شئت أن أسميهم بأسمائهم” فخشي على نفسه، فلم يصرح” قال المهلب بن أبي صفوة شارح البخاري: “ولو كانت الأحاديث التي لم يحدث بها من الحلال والحرام ما وسعه تركها لأنه قال: لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم ثم يتلو: “إنالذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى”(15).
فانظر – رعاك الله -كيف جمع المهلب بين القولين المنقولين عن أبي هريرة، مع التوقير له، والتعظيم لمقامه، كيف وهو الصحابي الذي شرف بالمثول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم وازن – سلمك الله- بين هذا الصنيع وبين صنيع الكاتب الذي نكت على أبي هريرة وبهته عندما قال: “…فهل يخشى أبو هريرة الله أم الناس؟.
وقول الكاتب بعد: “وهل يكون منعه من القصّ والتحديث على عهد عمر وعثمان كتمانا للعلم كذلك”؟ إن كان عنى به ما قد ورد عن عمر من قوله لأبي هريرة: “لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلمأو لألحقنك بأرض دوس”(16)، فإن هذا محمول كما قال ابن كثير: من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه… وقد جاء أن عمر أذن له بعد ذلك في التحديث”(17). فهذا هو الحق في موقف عمر، فأين ما مَوَّهَ به “المحلل” “الناقد”؟! ثم عمر كان يذهب إلى الإقلال من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك زَجَرَ غير واحد من الصحابة عن نشر الحديث، وإذا اتضح لك هذا وفَهْمِته، سَهُلَ عليك دفع ما نَكَّتَ به المؤلف على أبي هريرة من أنه كان كاتما للعلم أيام عمر، إذ من مقتضى ما قلناه أن يكون أبو هريرة مضطرا لا مُخَيَّرًا.
ج- اعتذار أبي هريرة بكونه كان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وههنا تهور الكاتب الطاعن على أبي هريرة، فقال بعد أن ذكر الأحاديث المفيدة لملازمة أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “والملاحظ أن الحديث عن هذه الملازمة إنما كان من أبي هريرة عن نفسه، ولم نجد أحدا من الصحابة يتحدث عن هذه الملازمة، وهذا الحضور بل لم نجد له عندهم ذكرا ولو عارضا.. إلا ما كان من رواية حسان الشاعر وعبد الله بن عمر وهي تحتاج إلى مدارسة خاصة”(18). قلت:” ما أنكره الكاتب من شهادة بعض الصحابة لأبي هريرة بطول الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثابت مروي عن غير واحد منهم، فهذا طلحة بن عبيد الله يقول: “أما أن يكون – يعني أبا هريرة – سمع من رسول الله ” ما لم نسمع عنه، وذلك أنه كان مسكينا لا شيء له ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نحن أهل بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلمطرفى النهار، لا أشك إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلمما لم نسمع، ولا تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلمما لم يقل”(19).
وهذا ابن عمر يقول لأبي هريرة:”كُنْتَ أَلْزَمَنَا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه”(20).
وأظن ظنا يقارب اليقينأن الكاتب خلط بين هذه الرواية وبين رواية نافع قال: “كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة، فبقي يكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله على المسلمين”، قال الذهبي :”في إسنادها الواقدي”(21)، وذلك حمله على قوله:” … وهي تحتاج إلى مدارسة خاصة”، يعني إلى “تحليل”، و”نقد”.
وأما تهويل الكاتب بقوله:” إن التصور الذي تنبني عليه هذه الرواية – يعني رواية الملازمة – هي كون النبي صلى الله عليه وسلممهمته تحديث الناس في المسجد، وأن أكثر الناس ملازمة له هم المعتكفون فيه… وهو تصور إذا كان يتناسب مع عصر الرواية الشفوية… فإنه لا يتناسب مع زمن الرسالة، وشخص الرسول صلى الله عليه وسلموخصوصا في أواخر حياته وبعد مجيء النصر العظيم… إذ كانت الوفود تأتيه… وكانت مهام الدعوة والتعليم لا تمثل إلا إحدى مهامه، فهو الرئيس والقائد العسكري والإمام والقاضي والرسول، كما هو الإنسان الذي له بيت وأزواج وذرية، وله أقارب وأصحاب وعلاقات محلية ودولية… ومن كانت هذه بعض مهامه، فإنه لا يجد الوقت الكافي للقيام بها، بله أن يتفرغ للرواية والتحديث…”(22) -فهل هو إلا مضغ للكلام الذي يجر بعضه بعضا، ونقول: نعم، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلميقوم بذلك كله ومعه أبو هريرة – إلا أن ينفرد بأهله صلى الله عليه وسلم- يدور معه حيث دار، ثم ألم يأتك أيها الكاتب نبأ الكبراء من القادة والزعماء، كيف تدور معهم حاشيتهم حيثما داروا، فكذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك في حقه متعين مشروع إذ هو الرسول المبلغ عن الله، وحركاته وسكناته في كل ما ذكرت محفوظة مرعية، فلا جرم أن يوجد من يرعاها ويحفظها مِنْ صَحْبِهِ وأبو هريرة منهم.
ح-اعتذار أبي هريرة بأن المهاجرين والأنصار كان يشغلهم الصفق بالأسواق: ذكر الكاتب هنا الروايات المفيدة لذلك ثم قال مدعيا أن هذه الروايات تثير إشكالات (كذا قال) وذكر منها واحدة فقال:”.. ومن هذه الإشكالات أن هذه الملازمة لا يشهد بها المهاجرون والأنصار، ولو كان الأمر كذلك لشهدوا…”(23). ولقد قدمنا من قبل شهادة طلحة بن عبيد الله وهو مهاجري، فسقط ما ادعاه الكاتب. ثم قال الكاتب: “…كما لم نجد له – يعني لأبي هريرة – في الأحداث التي كانت عند وفاتهصلى الله عليه وسلموبعدها أي أثر…”(24) وهذا أقوى دليل على أن الكاتب مجازف في الذي يدعيه، إذ لو كان من أهل الاستقراء التام لأحاديث أبي هريرة، لأوقفه الاستقراء على حديث يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه : >اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”(25)، ولقد صح يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلمنطق بهذا الحديث في مرض موته، وذلك هو قول عائشة المخرج في صحيح البخاري بل وفي صحيح مسلم أيضا، قالت: “قال النبي صلى الله عليه وسلمفي مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(26).
هذه واحدة، وثانية نستحب للكاتب أن يعقلها، وذلك أن من الصحابة من لم ينبس البتة في وفاتهصلى الله عليه وسلمبحرف، كبعض أزواجهصلى الله عليه وسلم، وهن كن أحق بأن يروى عنهن في هذا الأمر العظيم شيء، أو يكون ذلك دليلا على نفي وجودهن؟
4- أبو هريرة وعائشة ]: ذكر المؤلف هنا قول عائشة لأبي هريرة:”إنك لتحدث عن النبيصلى الله عليه وسلمحديثا ما سمعته منه” وجواب أبي هريرة لها:”يا أمّهْ طَلَبْتُها وشغلك عنها المرآة والمُكْحُلة..”، ثم رأى في جواب أبي هريرة تعريضا بعائشة وسوء أدب معها(27). ونحن نقول: وأي تعريض هنا بعائشة وأي سوء أدب معها؟!! وأبو هريرة ناقل لواقع ربما أخبر عنه، أو بلغ إلى علمه، ولو كان فيما ذكره أدنى مغمز في عائشة، لكانت ] أسمعته ما يكره، وانظر إلى حسن جوابها في إقرارها لما ذكره أبو هريرة بقولها: “لعله”.
وأنت أيها القارئ الكريم، فلا يَسْتَخفَّنَّك ما فهمه الكاتب من قول أبي هريرة لعائشة، فهؤلاء خمسة أعلام من جِلَّةِ أهل العلم الذين ذكروا هذا الخبر وهم ابن سعد والحاكم وابن عساكر والذهبي وابن حجر – قد تتابعت أنظارهم عليه، فلم ينقل عن واحد منهم ما قد توهمه الكاتب!!.
ثم قال الكاتب: “…وإذا كان أبو هريرة معتكفا في المسجد، فإن حُجْرة عائشة لم يكن يفصلها عن المسجد إلا جدار كان أبو هريرة نفسه – عندما أصبح محدثا – يتكئ عليه ليُسْمِعَ عائشة ] حديثه الذي عبرت عن استنكارها له واستكثاره حيث كان يقول لها – حسب الرواية – أتنكرين من هذا شيئا؟”(28).
قلت: لو لم يكن في كتاب:”أكثر أبو هريرة” إلا هذا القول لتهافت الكتاب كله، ذلك أن المؤلف ههنا زل زلات نحصيها له: فأول ذلك: أنا مستيقن مستبصر أنه نقل هذا الخبر من “السير” للذهبي، لأنه يحيل عليه كثيرا، والذهبي هناك لم يسنده إلى كتاب، وإنما ذكره من حفظه، وهو يخالف الموجود في كتب الحديث كما ستعرف بعد قليل، وثانيا: وقع عند الذهبي قول أبي هريرة هكذا: “أتنكرين مما أقول شيئا”، بينما وقع عند الكاتب على الصفة التي أوقفناك عليها قبل، وثالثا: يوهم صنيع الكاتب أن عائشة تنكر على أبي هريرة بعض حديثه، وكلا بل إنها ] أنكرت عليه طريقة سرده للحديث على عَجَل، وذلك مستفاد من بقية الرواية التي تعمد الكاتب إسقاطها، لأنها تنقض عليه كتابه، إذ الخبر هكذا عند الذهبي:” وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة، فيحدث، ثم يقول: يا صاحبة الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئا؟ فلما قضت صلاتها، لم تنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلميسرد الحديث سردكم”(29).
والحديث في البخاري ومسلم، ولفظه عند البخاري عن عائشة أنها قالت: “ألا يعجبك – تخاطب عروة بن الزبير – أبو فلان – تعني أبا هريرة – جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلميسمعني ذلك، وكنت أُسَبِّح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلملم يكن يسرد الحديث كسردكم”(30).
قال ابن حجر:” قولها: ولو أدركته لرددت عليه” أي لأنكرت عليه وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد… واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث…”(31).
وعجب الكاتب من أن يكون أبو هريرة أكثر حديثاً من عائشة، واستغرب ذلك، وقال: “… وهي إنما كانت زوجه عليه السلام قبل الهجرة، وكانت فيمن هاجر، ومن ثم فهي ملازمته الأولى دون منازع؟”(32)، قلت: لو جارى لطيف منا منطق الكاتب لقال هنا: إن التصور الذي ينبني عليه قول الكاتب في عائشة، هو كون النبي صلى الله عليه وسلممهمته لزوم بيت عائشة، ينفرد بها النبي صلى الله عليه وسلمويحدثها بما لا يحدث به بقية نسوته وصحابته، ثم هو صلى الله عليه وسلملا يكاد يغادر بيتها لصلاة أو ما شابه ذلك، حتى يعود إليه، وهذا “لا يتناسب مع زمن الرسالة وشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وخصوصا في أواخر حياته وبعد مجيء النصر العظيم والفتح المبين وانتشار دعوته…”.
وهذا الذي قلناه لا نعتقد منه معناه، وإنما سخرنا به من “تحليل” و”نقد” الكاتب، وقد بهت بهما أبا هريرة كما مر آنفا.
ثم وازن الكاتب بين أحاديث عائشة وأبي هريرة وقال:” فعائشة ] تروى لنا كيفية حياته في يومه وليلته، وكيفية صلاته وقيامه وصيامه وطعامه وشرابه ونومه، ومرضه وعشرته وعلاقته بأزواجه… وأخلاقه وسلوكه… ورغم ورود مثل بعض هذه الأخبار عن أبي هريرة فهي قليلة، وهي تتسم بالإعجاز والعُجائبية..”(32). قلت: وفي بعض حديث عائشة الإعجاز والعجائبية أيضا، كقولها: “قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلمإن جبريل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام و رحمة الله، وقولها:”قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أرِيتُكِ في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امراتكَ، فأكشف عن وجهكٍ، فإذا أنتِ هي، فأقول: إنْ يَكُ هذا من عند الله يُمْضِهِ”. إن “الإعجاز” و “العجائبية” إذا كانتا صفتيْ قدح في الأخبار فليصرح بذلك الكاتب ولْيَسْتَعْلِنْ به، أما نحن فلقد آمنا بالله عز وجل وهو غيْب، وآمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو غيب – لأننا لم نره – أفلا نؤمن بعد ذلك بمثل ما قد ينقل إلينا من هذه الأخبار؟
5- حفظ أبي هريرة: ذكر الكاتب هنا جملة من الأحاديث التي فيها بسط ثوب أبي هريرة، ثم جمعه إلى صدره بعد انتهاء رسول الله صلى الله عليه وسلممن التحديث، ثم قال:”… والملاحظ أن هذا الحدث المعجزة، والذي تبين الروايات أنه كان في مجمع الصحابة وبحضورهم لم يَرْوِه إلا أبو هريرة عن نفسه… وإنه لا يعقل أن يحجم الصحابة عن بسط أرديتهم في موقف كهذا،… إن هذه المعجزة أكبر من أن ينساها الصحابة الذين حضروا… إن هؤلاء لا محالة سيندمون، لأنهم لم يبادروا كما بادر أبو هريرة فيدركوا ما أدرك؟..”(33) قلت: الكاتب هنا واثق من نفسه، مُعْتَدٌّ بها، ذاهب بها أيُّما مذهب في الاطمئنان إلى ما قرر و”حلل” و”نقد”، وهو – والله – مجرد ناقل لما افتراه الشيعي عبد الحسين شرف الدين في كتابه” أبو هريرة”، ونقل ذلك عنه أبو رية في “شيخ المضيرة أبو هريرة”(34). وسَلَفُ الجميع في ذلك كله جولد تسيهر فيما كتبه في مادة أبي هريرة من دائرة المعارف الإسلامية.
ووجه نقض ما ذكره الكاتب أن يقال: أولا: إن سبق أبي هريرة إلى بسط ثوبه – من شدة حرصه على حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- هو الذي منع بقية من حضر على الاقتداء بصنيعه، ولو بادر رجل منهم إلى ذلك بعد أبي هريرة، لكان الحال عندها مثل الحال في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وقد كان ذلك في محضر الصحابة، حيث قال عكاشة بن محصن: أمِنْهُمْ أنا يا رسول الله ؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: “أمنهم أنا؟ قال: “سبقك بهاعكاشة”.
ثانيا: يدل على هذا الذي قررناه ما أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث زيد بن ثابت قال:” كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلمفقال: ادعوا، فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة فقال:” اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي، وأسألك علما لا ينسى، فأمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا : ونحن كذلك يا رسول الله، فقال: سبقكما الغلام الدوسي”. وبهذا الحديث يسقط قول الكاتب:” وأما تخصيصه بمعجزة الحفظ، فتحتاج هي الأخرى إلى شهود، لا أن يشهد هو على نفسه في معرض اتهامه”(35) فهذا تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم : علىدعاء أبي هريرة بحفظ الحديث، والناقل لذلك زيدُ بن ثابت، والشاهد عليه من حضر من الصحابة.
وقول الكاتب تعليقا على حديث بسط الثوب:”… وعليه فإن الذين رفضوا إكثاره واشتكوا منه لن يعتبروا هذا الحديث إلا واحدا من غرائبه…”(36) كأنه سلخه من أبي رية الذي يقول:”… ولأن حديث “بسط الثوب” مهم في تاريخ أبي هريرة واختلفت رواياته، وهو في نفسه يعتبر خرافة أو من أهم غرائبه…”(37)؟
ولقد سخر الكاتب هنا من دعوى أبي هريرة انشغال المهاجرين والأنصار بأسواقهم وقال:”.. وانشغال المهاجرين والأنصار بأموالهم وتجارتهم لن يجعله أقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلممن ملازميه وأعوانه وخدامه…”(38). ونحن هنا سنتحفه بشهادة عمر – وهو لا شك يعرف من هو عمر، ويعرف شدته وسطوته في الحق- على نفسه بأنه ألهاه الصفق بالأسواق عن بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري بسنده إلى عبيد بنعمير قال: ” استأذن أبو موسى على عمر، فكأنه وجده مشغولا فرجع، فقال عمر:” ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له، فدعي له، فقال: “ما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنا كنا نؤمر بهذا قال: فائتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك، فانطلق إلى مجلس من الأنصار، فقالوا: “لا يشهد إلا أصاغرنا، فقام أبو سعيد الخذري فقال: ” قد كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: ” خفي علي هذا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ألهاني الصفق بالأسواق”(39). فهل بعد الحق إلا الضلال ا لمبين.
6- أبو هريرة وعبد الله بن عمر وبن العاص: ساق الكاتب هنا حديث أبي هريرة: “ما من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلمأكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب”، ثم خلص إلى القول بـ “أن واقع الرواية عند أبي هريرة يشهد بعكس ما تذهب إليه هذه الروايات من تغليب رواية عبد الله بن عمرو على رواية أبي هريرة…”(40) ثم ذكر أن مجموع أحاديث عبد الله ابن عمرو بن العاص يمثل %2.1 من مجموع الأحاديث حسب ترقيم العالمية، بينما تمثل أحاديث أبي هريرة %14.05 من مجموع الأحاديث في الكتب التسعة(40). قلت: وهذا الفهم غير جيد لأن صاحبه لم يراجع فيه ماذا قال أهل العلم لرفع إشكاله، وتلك عادة جرى عليها الكاتب في كتابه كله، كأنه لا يعتد بتلك الأقوال، ولا يحفل بتلك الأفهام، فوقتها قد ولى، وأصحابها قد درجوا، وليس من سبيل إلى “التجديد” و”التحليل” و”النقد” إلا بِتَنَكُّبِ طريقها والإعراض عنها!!.
ونسوق للكاتب قول ابن حجر في رفع ما الْتَبَسَ فهمُه عليه عساه يتلقاه بقَبول حسن، يقول الحافظ: قوله فإنه كان يكتب ولا أكتب”: هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند عبد الله بن عمرو أي ابن العاص على ما عنده، ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلممنه إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة، فإن قلنا الاستثناء منقطع فلا إشكال، إذ التقدير: لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني، سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا، وإن قلنا الاستثناء متصل، فالسبب فيه من جهات: أحدها أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فَقَلّت الرواية عنه، ثانيها: أنه كان أكثرُ مُقَامه بعد فتوح الأمصار بمصر، أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين، ولم يقع هذا لغيره، ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلمله بأن لا ينسى ما يحدثه به… رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها، ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين”(41).
7- شِبَعُ بطن أبي هريرة: أطال الكاتب النفس في “تحليل:” و”نقد” الروايات التي وقف عليها في شبع بطن أبي هريرة، بيد أنه غلط غلطا فاحشا في أمور نذكرها له، حتى يعلم أنه جنى على أبي هريرة جناية عظيمة، فمن ذلك: إنكاره للوجود التاريخي لأهل الصفة وفي ذلك يقول: “ومن هم أضياف الإسلام هؤلاء، الذين سموا بأهل الصفة؟ إننا لا نعرف عنهم شيئا إلا من روايات أبي هريرة، ما هي أسماؤهم؟ أو أسماء بعضهم غير أبي هريرة ؟ لماذا لا يتحدثون عن أنفسهم، ويقولون نحن أضياف الإسلام…”(42).
ومر الكاتب في هذا مطمئنا إليه!! أما من يذكر “أضياف الإسلام غير أبي هريرة، فعبد الرحمن بن أبي بكر مثلا، فإنه قال: إنهم أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم: قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس…(43) قال ابن حجر: “وقد اعتنى بجمع أسماء أهل الصفة أبو سعيد ابن الأعرابي وتبعه أبو عبد الرحمن السلمي، فزاد أسماء، وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحِلْيَة، فسرد جميع ذلك، ووقع في حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة أنهم كانوا سبعين، وليس المراد حصرهم في هذا العدد، وإنما هي عدة من كان موجودا حين القصة المذكورة، وإلا فمجموعهم أضعاف ذلك كما بينا من اختلاف أحوالهم”(44).
ومن ذلك: قول الكاتب: “إن الرسول صلى الله عليه وسلمحسب هذه الروايات – هو نفسه كان يعاني من الحاجة والفقر، فكان يرجع إلى بيته فلا يجد إلا وعاء اللبن المهدى إليه…”(45) كذا قال الكاتب غير وجل ولا خائف، وذلك القول منه يدل على قلة اطلاع على سيرة المصطفى ، فهذه عائشة ] – التي قال عنها الكاتب إنها ولدت على رؤية الإسلام- تقول: “ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّّ ثلاث ليال تباعا حتى قبضن”(46)، وقالت أيضا: “كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم”(46). والذي يفهم من سيرته صلى الله عليه وسلمأنه كان يختار أن يكون على حال التقلل مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا.
ومن ذلك: قوله ساخرا بأهل الصفة، قائلا لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق، ومنها العمل والإنفاق والمسارعة في الخيرات ونفع العباد، ولم آتكم لأجعلكم أوعية لنقل أخبار الحاضرين والسالفين دون أن يكون لذلك أي تأثير في حياتكم وسلوككم؟!!(47) قلت: ظني أن الكاتب يحسب أهل الصفة لا عناية للواحد منهم بغير ملء البطن، وسد الجوعة، وكلا فلو قال قائل إنهم إلى إشباع عقولهم وأرواحهم أقرب منهمإلى ما فهمه الكاتب لما أبعد، ففي رواية حديث أنس المخرج في البخاري عند أبي نعيم: “جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: أعندك شيء، فإني مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلموهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء…”(48).
ومن ذلك: قوله: “إن الجوع الذي يحكي عنه أبو هريرة كان عظيما، وأبو هريرة يلزم رسول الله على ملء بطنه…” قلت: أخشى أن يكون الكاتب يغمز أبا هريرة بأنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلممن أجل بطنه، لا يحمله على الملازمة إلا ذلك، ولا يبعثه عليها إلا الجوع والعطش، وأما الإسلام والتفقه فيه، والحديث وحمله وروايته فلا، ولقد أجاد الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى وأحسن وأفاد لما وقف عند قول أبي هريرة: “على ملء بطني” فقال: “… وقد فهمها العلماء الذين أنار الله بصائرهم، وطهر قلوبهم من الحقد على صحابة رسول اللهصلى الله عليه وسلمعلى حقيقتها دون ما فهمه “أبو رية”، قال الإمام النووي في شرح قول أبي هريرة: “على ملء بطني”: “أي ألازمه وأقنع بقوتي ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها، ولا أزيد على قوتي والمراد من حيث حصول القوت من الوجوه المباحة، وليس هو من الخدمة بالأجرة”، وقال الحافظ ابن حجر: “على ملء بطني”: أي مقتنعا بالقوت، أي فلم تكن له غيبة عنه”(49).
ومن ذلك قوله:”في أبي هريرة”: “..ويسأل الصحابة عن الآية من القرآن ما يريد إلا استطعامهم…”(50) وقوله أيضا:”…وإنما كان يجلس على طريقهم يستقرئهم من أجل أن يطعموه”(50). قلت: ظن الكاتب أن أبا هريرة كان يستقرئ الرجل الآية هي معه، كما جاء ذلك في الرواية التي نقلها من البخاري من كتاب المناقب، وهذا الفهم ليس بجيد، ذلك أن الحديث لا يفهم إلا بجمع رواياته وطرقه، وفي رواية الحديث التي في الحلية لأبي نعيم أن أبا هريرة وجد عمر فقال: “اقريني”. فظن أني أطلب منه القراءة، فأخذ يقرئه القرآن ولم يطعمه، قال: “وإنما أردت منه الطعام”، ولذلك قال ابن حجر:”قوله:”لأستقرئ الرجل” أي أطلب منه القرى، فيظن أني أطلب منه القراءة”(51) .
8- مع ابنة غزوان: ذكر الكاتب هنا جملة من الروايات التي تفيد أن أبا هريرة كان أجيرا عند ابنة غزوان وابن عفان، وأبَى عَلْيَه ” تحليله” و “نقده” أن يجمع بين هذا وبين ملازمة أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول: وهل في العقل ما يمنع من الجمع بين الأمرين؟ ولعل ذلك يكون قد وقع بعد الوفاة النبوية، والكاتب -هداه الله- ظن أنه بهذا مستكثر من الشبه عن أبي هريرة، ولا والله، بل إن فيما ذكرتَه أيها الكاتب -مَنْقُبَةٌ لأبي هريرة، أو ليس فيه أن أبا هريرة أحبَّ أن يسعى في تحصيل رزقه بعمل يده؟؟!وهو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” والذي نفسي بيده، لأنْ يأخذ أحدكم حبله، فيذهب إلى الجبل فيحتطب، ثم يأتي به يحمله على ظهره،فيبيعه فيأكل، خير له من أن يسأل الناس…”(52).
وأنت أنت – أيها الكاتب – ألست نَقِمْت من قبلُ على أهل الصفة مَسْكنتهم وذِلّتهم، وعدم أخذهم بمكارم الأخلاق ومنها السعي والعمل؟
9- صحبة أبي هريرة: هذا هو المقصد الأهم الذي سمت إليه همة الكاتب، وعليه أدار كتابه، ومن أجله مهد بتلك الشبهات التي توالت تَتْرى، ولقد استفتح الكاتب الكلام فيه بقوله:”درج الدارسون على اعتبار أبي هريرة صحابيا بناء على مجموعة من الروايات ا لتي يرويها أبو هريرة عن نفسه…”(53) قلت: لو قال درج” العلماء” لكان أحجى!! ثم مضى الكاتب في “تحليله” مبينا أنه سيسلك سبيل “التحقيق” في مسألة أصحيَّة صُحبة أبي هريرة.
وأنت إذا تأملت “تحقيق” الكاتب، ألفَيْته معتمدا على مصدر واحد ينقل منه، وهو “السير” للذهبي، بينما من لوازم التحقيق العلمي كثرة المصادر وتنوعها، ثم الموازنة والترجيح بين ما فيها، ثم الترفق والتدبر، وعدم البِدار إلى القطع والجزم، وإذا لم يكن من القطع بُدّ، فَلْيكِل المحقق العلم لله تعالى، ليبرأ من التقصير.
ولعل الكاتب يذهب في التحقيق مذهبا آخر لم ننشأ عليه ولا دُربنا فيه، وهو ذاك الذي نطقت به تلك البيانات الحسابية التي لو بعث إقليدس من قبره ما فهمها؟(54).
ولقد بنى الكاتب هذه البيانات الحسابية على قول أبي هريرة:” قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلمبخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات…”، ونسي أن في هذا الخبر الواقدي و هو ضعيف بل متفق على ضعفه(55).
وبناها على قول الواقدي في مقدار سن أبي هريرة يوم مات حيث قال: “وله ثمان وسبعون سنة”، و لقد علمت أن الواقدي ضعيف. والذي تحرر عندي في هذا الباب، عدم متابعة الواقدي في تعيين سن وفاة أبي هريرة، وعد ذلك وهما، والتمسك بالأصل الصحيح الذي عندنا(56)، من أن أبا هريرة أسلم زمن خيبر- وكانت سنة سبع في أرجح الأقوال- ولا نعبأ بعد ذلك أكان رضي الله عنه – توفي سنة ستين أو قبلها بقليل، والذي يعنينا إثبات صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، و هي حاصلة – بحمد الله – في المدة التي قضاها مع النبيصلى الله عليه وسلم، بل هي تثبت فيما دون الثلاث السنين بكثير.
ثم من البراهين الساطعة على صحبة أبي هريرة أننا لم نقف قط في كتب الذين ألفوا في طبقات الصحابة على من توقف في إثبات ذلك أو تردد فيه، مع أن أصحاب هذه الكتب دفعوا شرف الصحبة عمن ادعاها من الكذابين والدجالين الذين ظهروا بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلمبقرون كرَتَن الهندي.
وإذ قد عرفت هذا، تبدى لك تساقط كتاب المؤلف ورقة، ورقة، وانحلال عراه عروة عروة، وأول عروة تنقض عليه:
تدليس أبي هريرة: ولقد سبق الكاتب إلى إثارة هذه القضية أحمد أمين وأبو رية(57)، ولقد نقض ذلك على الأول منهم الدكتور مصطفى السباعي فكان مما قال: “…في إسناد أبي هريرة إلى الرسول ما لم يسمعه، فهذا لم ينفرد به أبو هريرة، بل شاركه فيه صغار الصحابة، ومن تأخر إسلامه، فعائشة وأنس والبراء وابن عباس وابن عمر، هؤلاء وأمثالهم أسندوا إلى الرسول ما سمعوه من صحابته عنه، وذلك لما ثبت عندهم من عدالة الصحابي وصدقه، فلم يكونوا يجدون حرجا ما في صنيعهم هذا… وقد قدمنا لك قول أنس ] عنه: “ما كل ما نحدثكم به عن رسول الله سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضا”(58).
وكأني بالكاتب لن يحفل بهذا البيان الناصع من ذالكم العلامة الدكتور الفاضل، لأنه سخر من قواعد أهل العلم التي فيها :”الصحابة عدول” و”تدليس الصحابة لا يضر”.. ولذلك لن نزيده في هذا السبيل أكثر – مما قلناه.
وثاني عروة تنقض عليه : إنكار عائشة على أبي هريرة : والكاتب طار بذلك فرحا، وهلل واستبشر، بيد أنه خفيت عليه أمور نذكره بها:
1- ما كان يقع من الصحابة من رد بعضهم على بعض لَهُوَ من المباحثة العلمية التي لا دخل للتكذيب والريبة فيها، وإنما ذلك كان يكون منهم، لاختلاف مراتبهم في سعة المرويات، ولتباين منازلهم في الفقه والاستنباط،
2- إنكار عائشة ] لم يكن خاصا بأبي هريرة، بل كان ذلك عاما بالنسبة للصحابة حتى الأعلام منهم، فهي ] استدركت على أبيها، وعلى عمر، وعلي وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخدري، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت وغيرهم، ممن حكى وقائع ذلك عنهم وعنها البدر الزركشي في “الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة”.
3- في رجوع أبي هريرة عن قوله:”من أدركه الفجر جنبا فلا صوم له”، منقبة له، وإلى ذلك أومأ ابن حجر لما قال:” وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه”(59). ولو أن أبا هريرة كان كذابا، لَلَجَّ في خطئه، ولأقسم بالأيْمَان المغلظة أن ما قاله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه ] لتصوُّنه وتحفظه وأمانته ذكر من أخبره بالخبر، وهو في رواية:”الفضل ابن عباس”.
4- فيما ساقه الكاتب من روايات تفيد رجوع أبي هريرة عن قوله إلى الحق الذي وضح وبان، وإحالته على من أخبره-فَوْتٌ، إذ في سنن النسائي قال أبو هريرة: “…فهي أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلممنا، إنما كان أسامة بن زيد حدثني بذلك”(60). وفيها أيضا قال أبو هريرة:”..إنما حدثني فلانٌ وفلان…”(61) وإذا تبين لك هذا، تهافت على الكاتب قوله – وهو يتساءل في حيرة وشك- :” لماذا أخفى أبو هريرة شيخه الفضل بن عباس، والذي توفي حسب الروايات في السنة الخامسة عشرة للهجرة، منذ خمس وعشرين سنة خلت…”(62) وقوله أيضا:”إن أسهل طريقة للتخلص من الأخطاء هي نسبتها إلى الآخرين وخصوصا الموتى منهم…”(63)، ذلك أن أسامة بن زيد- الذي وقع في رواية النسائي -قيل توفي سنة 54هـ وقيل سنة 58هـ أو سنة 59هـ، فيكون حيا في زمن حدوث الواقعة، أو مضى إلى ربه قبل أبي هريرة بيسير، وبذلك يصغر ما هول به الكاتب ويتساقط.
وأنت أيها القارئ فدع عنك ما في هذا الفصل -أو الجزء – من كتاب صاحبنا من الهنات الكتابية التي غضضنا الطرف عنها، وسترناها، عسى أن يسترنا الله في الدنيا والآخرة(64).
10- خروج أبي هريرة إلى الطور: وههنا نستمد من الله التأييد، ونسأله عز وجل التسديد، إذ الأمر خطير، ونحن متكلمون في الفن الذي تخصص فيه الكاتب، فنرجو أن لا يعد علينا الفلتة، وأن يقيلنا من العثرة. ذكر الكاتب هنا جملة من الروايات التي تفيد خروج أبي هريرة إلى الطور ثم علق عليها بقوله:” تتحدث هذه الروايات جميعا عن لقاء أبي هريرة بكعب الأحبار بالشام، وأن أبا هريرة هو الذي بادر بالخروج إليه ولقائه هنالك…”(65) قلت: أما اللقاء فنعم، وأما أن يكون أبو هريرة هو الذي بادر إلى الخروج ليحصل اللقاء، فلا، ففي تلك الروايات يقول أبو هريرة:”خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار” وفيها:”أتيت الطور فوجدت ثم كعبا…”، وفيها:”قدمت الشام فلقيت كعبا…” و”التقيت أنا وكعب…”. فهاهي ذي الروايات المفيدة لذلك الخروج مبسوطة للقراءة فلينظروا هل فيها مما فهمه الكاتب من شيء؟!!
ولقد جنى الكاتب هنا – بالظن والتخمين والتخيل – على أبي هريرة جناية عظيمة، وذلك لما رأى أن خروجه إلى الطور، كان “من أجل عرض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى كعب الأحبار ليصدقها بالتوراة”(66)، وهذا قول مرذول، وفهم مرغوب عنه، إذ كيف يصح في الأفهام أن يتنزل صحابي إلى درجة عرض ما تلقاه عاليا عن رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى تابعي، ليأخذ منه دليل صحة ما تحمله؟! ثم ليس في الحديث الذي فيه وقائع الخروج ما يسعف على الفهم الذي “تخيله” الكاتب، إذ فيه يقول أبو هريرة: “…فكان فيما حدثته أن قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..” فالمبادر بالتحديث أبو هريرة، والسامع المستفيد المتعلم: كعب الأحبار.
وقلد الكاتب أبارية(67) في ظنه أن أبا هريرة -كاد ينخدع لكعب الأحبار الذي سمع أبا هريرة يقول:”خير يوم طلعت فيه الشمس…فقال كعب: ذلك في كل سنة مرة…”(68) قلت: كيف حكم الكاتب على أبي هريرة بالانخداع لكعب وهو الذي أجابه من ساعته بقوله: “فقلت: بل هي في كل جمعة”؟ ألا إنه التعنت !!ألا إنه التحامل!! وانظر ماذا يفعل بصاحبه!!
11- لقاء أبي هريرة ببصرة بن أبي بصرة: ذكر الكاتب لقاء أبي هريرة ببصرة بن أبي بصرة، واستدل عليه بجملة أحاديث نذكر منها رواية مالك التي يقول فيها أبو هريرة:”فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول:” لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد، إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا،وإلى مسجد إلياء…”.
وللكاتب مجازفات -في هذا الجزء من الكتاب – نوقفه عليها: فمن ذلك :
1- قوله في بصرة بن أبي بصرة:”..بل إن المترجمين للرجال لم يزيدوا في ترجمته على ما ذكر في هذا الحديث من معلومات عنه؟”(69) ؛ كذا قال جازما، ونحن نقول له، وما الحيلة فيما قد قاله ابن حجر عند ترجمته:”له ولأبيه صحبة، معدود فيمن نزل مصر”(70)، وقال في التهذيب:”واختلف في أبي بصرة(71) فقيل جميل بالجيم، وقيل حميل بالمهملة مصغر، وهو المشهور، وحضر بصرة فتح مصر، واختط بها دارا عند دار ابن الزبير”(72) أكل ذلك موجود في الحديث كما تقول؟
2- قوله:”والملاحظ تبعا للرواية – أن بصرة بن أبي بصرة الذي لا يعرفه أحد كان عالما بالحديث أكثر من أبي هريرة..”(73) قلت: في هذا غمز لأبي هريرة، ومتى زعم صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قد أحاط بالسنن كلها حتى لا يخفى عليه من ذلك شيء؟
3- كأن الكاتب ينفي عن بصرة بن أبي بصرة الصحبة، بينما الرجل قد ترجمه ابن حجر في الإصابة وقال:”له ولأبيه صحبة” على ما مر قريبا، وقال في التقريب :” بصرة بن أبي بصرة الغفاري، صحابي ابن صحابي”(74). وقال الذهبي في الكاشف:”…صحابي كأبيه”(75).
4- قوله:”إن بصرة بن أبي بصرة الذي ذكرته رواية كل من مالك والنسائي، سيتحول عند الإمام أحمد إلى أبي بصرة بدل بصرة بن أبي بصرة…”(76).يريد الكاتب المسكين أن يخدع القارئ، ليوحي إليه أن أبا هريرة قد اضطرب في حديثه هذا، فمرة يقول: “بصرة بن أبي بصرة، ومرة يقول: “أبا بصرة”، فهو كذاب !!
ونحن نقول للكاتب: حسبك، فلقد قال ابن حجر لك ولأمثالك :”بصرة بن أبي بصرة الغفاري، صحابي ابن صحابي، والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة”(77).
5-وإذا شددت على الذي قررناه من أن بصرة ابن أبي بصرة، وأباه صحابيان – يَدَيْكَ، صح لمسلم أن يقول: “عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد”.
6- لا يذهبن عن القارئ الكريم – وقد أضله الكاتب – أن حديث: “لا تشد الرحال” صحيح من حديث أبي هريرة، و أبي سعيد الخدري كما وقع ذلك في الصحيحين.
12- أحاديث أم إسرائيليات؟ تحت هذا العنوان الغريب الذي تشمئز منه نفوس الخُلَّص من المؤمنين – ساق الكاتب الحديث المعروف في فضل يوم الجمعة الذي فيه: “خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط من الجنة… وفيه تقوم الساعة… وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه”.
ولنا وقفات معه فيما ذكره بعد:
1- دعوى الكاتب أن جزءا من حديث كعب، دخل في حديث أبي هريرة، فأصبح الجميع حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم(78) فيها نظر قوي، وذلك من حيث أن ذلك إنما وقع عند أحمد حَسْبُ، وأما في باقي الروايات الأخرى عند مالك والنسائي وأبي داود، فالحديث مُسَاقٌ من لفظ أبي هريرة.
2- دَنْدَنُ الكاتب حول عبد الله بن سلام، فقال: “إن عبد الله بن سلام الإسرائيلي الذي تقول الروايات أنه قد أسلم…”(79)، وكأن إسلامه عنده فيه نظر، وهذه فِرْيَةٌ بلا مِرْية، كيف والرجل قيل أسلم أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلمالمدينة، وقيل: تأخر إسلامه إلى سنة ثمان، وأيا ذلك كان، فهو ] أسلم فحسن إسلامه، وفي البخاري في المناقب عن سعد بن أبي وقاص قال: “ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلميقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام”(80). هذه هي صفحة هذا الرجل المشرقة التي ذهب الكاتب يشوه محاسنها بقوله : “وإن عبد الله بن سلام – حسب الرواية – قد أثار وصفه لوقت الساعة إشكالا لدى أبي هريرة قبل أن يستشهد عليه بحديث انتظار الصلاة. أو لم تكن هذه المناقشة مناورة إسرائيلية لتحديد وقت ساعة الاستجابة وفق المفهوم الإسرائيلي؟..”(81).
3- عاد الكاتب – سامحه الله – إلى بصرة بن أبي بصرة كرة أخرى، فغمزه بقوله:”وماذا عن بصرة بن أبي بصرة، أو ليست هذه كذلك مناورة إسرائيلية ثالثة لتبرير خروج أبي هريرة إلى الطور؟…”(81) كأن بصرة بن أبي بصرة عنده يهودي؟ ونحن هنا نقول له: إن الذين ترجموا لبصرة هذا، قالوا في نسبه:”بصرة بن أبي بصرة جميل بن بصرة بن وقاص بن غفار الغفاري” فهل في اليهود وقاص، وغفار، وغفاري؟
4- لم يتجاسر الكاتب على التصريح بأن حديث: “إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل الله خيرا إلا أتاه إياه…” من افتراء أبي هريرة، بيد أنه كاد يفعل ذلك، من إشارته وإيمائه كقوله عن أبي هريرة وروايته لهذا الحديث:” وعرض هذا الحديث على عبد الله بن سلام فبين له ساعة الاستجابة في هذا اليوم انطلاقا من التوراة…”(82). وأظهَرُ ما قد يُجاب به، أن يُقال له : لقد حدث أبو هريرة بهذا الحديث، وليس فيه عبد الله بن سلام ولا غيره، وصرح بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلموذلك عندما قال:”سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلموهو على المنبر يقول: إن في الجمعة ساعة – وأشار بكفه كأنه يقللها، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه”(83) ثم هذا الحديث روي من طريق أبي سعيد الخدري في مسند أحمد(84)، وجاء أبو سلمة يسأل أبا سعيد- بعد وفاة أبي هريرة – عن الساعة المذكورة في الحديث فقال:” يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فهل عندك منها علم؟ فقال سألت النبي صلى الله عليه وسلمعنها فقال:” إني كنت قد أعلمتها ثم ُأُنْسِيتها، كما أُنْسِيت ليلة القدر”(85).
وروي حديث الساعة التي في الجمعة من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، أخرجه الترمذي وفيه ضعف(86).
ثم وقفت بعد على ما يفيد أن الكاتب أعلن رأيه في حديث “ساعة الاستجابة” وذلك عندما قال:”…وهو ما يفيد أن أبا هريرة لم يأخذ هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إنما أخذه من عبد الله بن سلام بعد مجيئه من رحلة الطور التي كانت بعد العهد النبوي وزمن كعب الأحبار”(87). ولقد تعقَّبْنَاه من قبل على ذلك، فلينظر كيف يكون التخلص؟
5-وأنت أيها القارئ فشُدّض بيديك، وعضَّ بنواجذك على حديث: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة” فإنه في صحيح مسلم(88) وغيره، ودعك من تخاليط الكاتب وعرضه هذا الحديث الصحيح على التوراة، ووقوفه فيها على ما يوافقه(89)؛ وذلك هو دليل بطلانه عنده؟! ولقد – والله – نسي الكاتب هنا؛ ما قد نقمه من قبل على أبي هريرة، وزعمه أنه عرض بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى كعب الأحبار وعبد الله بن سلام !! فيقال له: وأنت ماذاتفعل الآن، ألست تقتدي بأبي هريرة وقد عظمت جنايتك عليه؟!! أما نحن فنقول: ومعاذ الله أن يكون أبو هريرة يصنع صنيعك.
ثم لا تعبأ أيها القارئ بعرض الكاتب حديث:”خير يوم طلعت فيه الشمس…” على الإنجيل، ووقوفه فيه على ما يخالفه وذلك هو دليل بطلانه عنده؟ ومن أعجب أحوال الكاتب عندي، حاله هنا: فمرة يعرض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التوراة، فإن هو وافقها أبَى قَبُوله، ومرة يعرض حديث سول الله صلى الله عليه وسلم على الإنجيل، فإن هو خالفه رفضه؟ فهل للكاتب قاعدة يجري عليها؟ وهل في قاعدته اطِّرَادٌ لا ينخرِم؟
وأما تهويل الكاتب بأن ما ورد في الحديث من خلق آدم وقيام الساعة، و أن ذلك يخالف صريح القرآن الكريم، فيكفي في الجواب عنه أن يقال: إن صاحب الشريعة، المنزل عليه القرآن لم يفهم – بأبي هو وأمي – هذا الفهم البديع، فكان صلى الله عليه وسلم- كما في مسلم وغيره – يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي ألم تنزيل السجدة و”هل أتى على الإنسان”(90). قال شيخ الإسلام ابن تيمة في بيان النكتة في ذلك:”إنما كان النبي صلى الله عليه وسلميقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون”(91) فانظر – سلمك الله – كيف يكون الفهم عن الله ورسوله.
ولقد اشتد علينا قول الكاتب قبيل تمام كتابه:”…ولعل هذا الوجود لمثل هذه الأخبار ليطرح على مصداقية هذه الكتب، ونقلها للإسلام الحنيف شكوكا كثيرة… كما يطرح على المنهجية المعتمدة في علوم الحديث وقواعده، ورجالاته وتصحيحه وتضعيفه، وتعديله وتجريحه، ومصطلحاته أسئلة عميقة، تدفع الباحثين إلى إعادة قراءة هذه العلوم بمنهجية جديدة، تتجاوز ما هي عليه الآن”(92).
قلت: لقد خرج علينا الكاتب برأي ينسف به كتب الحديث نسفا، ويهدم به طريقة أصحاب هذه الكتب في التصحيح والتضعيف، والتعديل والتجريح، وعلماء هذا الشأن قد أفنوا الأعمار، وأذهبوا المهج في التقعيد والتأصيل، وأحفوا في ذلك الأقلام، وبلغوا فيه مبلغا عظيما دهش له المنصفون من نبهاء الغرب في هذا العصر، فجاء الكاتب يكتب- وهو آمن مستريح- يزعم أن لا حاجة بنا إلى تلك الكتب ولا إلى منهج أصحابها فيها، وينادي بالصوت المسموع – زعم – إلى “إصلاح” حال هذه الكتب و”تجديد” منهج أربابها فيها!!
ونحن نقول له:هب أن هذه الكتب على الوصف الذي ذكرت، فهل يكون “التجديد:” بمنهجك الذي جريت عليه في كتابك، ومن قواعده “البديعة”؟
1- الصحابة أصحاب الألوف لا يقبلون؟
2- الصحابة ليسوا عدولا!!
3- من اختلف في اسمه من الصحابة توقفنا في حاله!!
4- إذا كان الحديث مشتملا على الإعجاز والعجائبية توقفنا في قبوله!!
5- “التحليل” و “النقد” سبيل كل من أراد التصحيح والتضعيف!!
6- إذا خولف الصحابي في حديث يرويه، وقيل له أكثرت سقطت عدالته!!
7- عرض صحيح الأخبار على التوراة والإنجيل، للنظر في ثبوتها!!
ولعمر الله إن هذه القواعد، لقواعد الهوس، وليست قواعد “التجديد”!! ولو أننا فتحنا علينا هذا الباب، لما درى الجاهل بالدين فينا، كيف يصلي، ويصوم، ويزكي ويحج، ويتزوج، وينشئ أجيالا تذكر الله،… فكل ذلك مشروح ومبسوط في الحديث.
ولو أننا فتحنا علينا هذا الباب، لَغُلِّقَتْ معاهدُ ومؤسسات، فيها للحديث ذِكْرٌ، ولأهله صَوْلاَتٌ وَجَوْلاَتٌ، ولسقطت ألقابٌ وشهادات، وأوَّلُ شيء يسقط من ذلك، لشَهَادَةُ الدكتور صاحب الكتاب، إذ يستحيلُ في العقل أن لا يكون قد ألَمَّ -في أيام طلبه – بأحاديث أبي هريرة فحفِظَها وسُئل عنها ، وأجاب فأحْسن في الجواب، ثم رَقِيَ واعْتلى فصار الدكتور فلان…
وبعد: فهذه التعقُّبات نصيحة للكاتب قد أخلصتُها، وعظةٌ له قد مَحَضْتُها، فإن قبِلها فذاك فضْلٌ من الله، وإن أعرض عنها يقال له:”أكْثَرَ مصطفى بوهندي”!!
د. محمد بن زين العابدين رُستم
————
1-انظر ص: 92 من كتابه. // 2 -المصدر السابق.
3 -يقال فلان يطنز بالناس: يسخر منهم وانظر أساس البلاغة ص: 397.
4 -انظر: أكثر أبو هريرة ص: 13 و 14 و 17 و 40.
5 -انظر ص: 48 و 60 و 61 من كتابه.
6 -دائرة المعارف الإسلامية.
7 -أضواء على السنة المحمدية ص: 195 وشيخ المضيرة ص:43.
8 -الإصابة 7/352. // 9- أكثر أبو هريرة.
10 -دائرة المعارف الإسلامية وفجر الإسلام ص: 269.
11 -أكثر أبو هريرة ص: 5. // 12 -المصدر السابق ص: 6.
13 -البخاري كتاب البيوع حديث 2047.
14 -أكثر أبو هريرة ص: 8.
15 -شرح ابن بطال لصحيح البخاري 1/195.
16 -البداية والنهاية، 8/110.
17 -المصدر السابق. // 18 -أكثر أبو هريرة ص: 11.
19 -أخرجه الترمذي برقم 3926 وروى نحوه البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك.
20 -أخرجه الترمذي حديث رقم 3836 وحسنه.
21 -سير أعلام النبلاء 2/604. // 22 -أكثر أبو هريرة س: 13.
23 -المصدر السابق، ص: 16. // 24 -المصدر السابق ص: 17.
25 -أخرجه أحمد في المسند 7/173 وقال الشيح أحمد محمد شاكر: “إسناده صحيح”.
26 -البخاري حديث 4441 ومسلم في مختصر القرطبي له برقم 422.
27 -أكثر أبو هريرة ص: 19. // 28 -المصدر السابق.
29 -سير أعلام النبلاء ، 2/607. // 30 -البخاري حديث رقم 3568.
31 -الفتح 6/578-579. // 32 -أكثر أبو هريرة ص: 21.
33 -أكثر أبو هريرة ص: 27.
34 -انظر للتأكد والتثبت “شيخ المصيرة أبو هريرة”، ص: 214.
35 -أكثر أبو هريرة ص: 28 // 36 -أكثر أبو هريرة ص: 27
37 -انظر شيخ المضيرة ص: 212. // 38 -أكثر أبو هريرة ص: 28
39 -أخرجه البخاري برقم 7353. // 40 -أكثر أبو هريرة ص: 31.
41 -الفتح 1/207. // 42 -أكثر أبو هريرة ص: 37.
43 -أخرجه البخاري في المناقب برقم 3581.
44 -الفتح 11/287 // 45 -أكثر أبو هريرة ص: 39
46 -انظر حديث رقم 6454 وحديث رقم 6458 من البخاري.
47 -أكثر أبو هريرة ص: 38. // 48 -الفتح 6/589.
49 -السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص: 330.
50 -أكثر أبو هريرة ص: 36، و ص: 39. // 51 -الفتح 7/76.
52 -أخرجه أحمد في مسنده برقم 7482 وقال الشيخ شاكر: “إسناده صحيح”.
53 -أكثر أبو هريرة ص:45. // 54 -أكثر أبو هريرة، ص: 47.
55 -قال الذهبي في الميزان 3/666:” واستقر الإجماع على وهن الواقدي”.
56 -لأنه صح في البخاري، انظر حديث رقم 4203.
57 -أضواء على السنة المحمدية ص: 202 وفجر الإسلام ص: 269.
58 - السنة ومكانتها في الشريع الإسلامي، ص: 306.
59 -أكثر أبو هريرة، ص: 49 و 50.
60 -الفتح 4/147. // 61 -السنن الكبرى للنسائي حديث رقم 2931.
62 -السنن الكبرى للنسائي حديث رقم 2932.
63 -أكثر أبو هريرة ص: 57. // 64 -أكثر أبو هريرة، ص: 58.
65 -بيد أننا نرشد إليها على سبيل التلويح،ونجانب التصريح رجاء الستر، الخطأ الأول في ص: 49 في الفقرة ا لثانية، والخطأ الثاني، في ص: 60 في الفقرة الأولى.
66 -أكثر أبو هريرة ص: 63. /// 67 – أكثر أبو هريرة ص: 67.
68 -شيخ المضيرة ص: 91 و 92. // 69 -أكثر أبو هريرة ص: 67.
70 -أكثر أبو هريرة ص: 69. // 71 -الإصابة 1/449.
72 -هذا أبو صاحبنا بصرة، ولست أخلط بينهما فتنبه.
73 -تهذيب التهذيب 1/297-298. // 74 -أكثر أبو هريرة ص: 69.
75 -التقريب ص: 156 . // 76 -الكاشف 1/272.
77 -أكثر أبو هريرة ص: 70. // 78 -التقريب، ص: 156.
79 -أكثر أبو هريرة ص: 79. // 80 -أكثر أبو هريرة: ص: 84.
81 -البخاري حديث رقم 3812. // 82 -أكثر أبو هريرة ص: 84.
83 -أكثر أبو هريرة ص: 83 // 84 -مسند أحمد حديث رقم 7756.
85 -حديث رقم 7674. // 86 -حديث رقم 11567 من مسند أحمد.
87 -الترمذي حديث رقم 488. // 88 -أكثر أبو هريرة ص: 85.
89 -صحيح مسلم حديث رقم 720. // 90 -أكثر أبو هريرة ص: 88.
91 -أخرجه مسلم برقم 879. // 92 -زاد المعاد، 1/375.
93 -أكثر أبو هريرة ص: 92.